من المعروف بشكل عام، ان النفط يمثل ثروة وطنية عامة من يمتلكها من البلدان يُوصف بالبلد الغني وذلك للسمات التي يتمتع بها النفط بشكل ذاتي من جانب، ولأهميته الكبيرة في العديد من مجالات الحياة الصناعية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر.
يتمتع النفط بسمات ذاتية كسهولة استخراجه ونقله وخزنه وتسويقه وارتفاع الطاقة التي يولدها وغيرها من السمات، أما بالنسبة لأهميته في مجالات الحياة فهو يدخل كمادة اولية في العديد من المنتجات الصناعية وهذا يترك اثراً كبيراً على المستوى الصناعي. كما انه يعد أقل تلويثاً للبيئة من مصادر الطاقة الاحفورية وخصوصاً الفحم.
وتجدر الاشارة، إلى ان هناك مساعي من بداية الربع الاخير من القرن المنصرم -وبالأحرى قبلها بقليل(مع ازمة 1973)- وحتى الوقت الحاضر مساعي لترشيد استخدام النفط واستهلاكه والبحث عن مصادر بديلة بسبب احتمالية نضوبه والتحكم بأسعاره من منتجيه ومصدريه ولا يخلو من التلوث.
ان سمات النفط واحتمالية نضوبه وتوزيعه غير متساوٍ على المستوى الجغرافي، هذه الامور جعلت منه محل انظار المنتجين والمستهلكين، للاستفادة منه قبل نضوبه؛ فارتفع الطلب عليه ومن ثم ارتفاع اسعاره وانتعاش عائداته التي تنعكس على الكثير من المتغيرات الاقتصادية كالإنفاق الاستهلاكي والاستثماري والادخار والاستيراد والتصدير والاحتياطي النقدي وسعر الفائدة وغيرها، وهذا الانعكاس بحاجة ماسة لسياسة اقتصادية حكيمه تجعله انعكاساً ايجابياً لا سلبيا لان انعكاس العائدات النفطية على المتغيرات الاقتصادية بشكل عشوائي دون وجود خطة واضحة ستنعكس حتماً الى اثار سلبية.
هناك ارتباط وثيق بين النفط والاقتصاد والمجتمع فكلما كانت الادارة الاقتصادية للعائدات النفطية جيدة ستنعكس بشكل ايجابي ايضاً على المجتمع وبالخصوص الدخول والصحة والتعليم، لان الصناعة النفطية بحد ذاتها هي صناعة كثيفة راس المال لا تستوعب الايدي العاملة المتزايدة، فعمل الادارة الاقتصادية الكفوءة سيسهم في توجيه العائدات النفطية نحو القطاعات الاقتصادية التي تخلق فرص العمل لاستيعاب الايدي العاملة وتخفيض البطالة وزيادة دخول الافراد. ويسهم هذا الاخير بالإضافة الى قيام الادارة الاقتصادية بتخصيص جزء من العائدات النفطية نحو التعليم والصحة، وهذا ما ينعكس على رفاه المجتمع بشكل عام.
ما سبق وما سيأتي من آثار ايجابية تنعكس، على البلد الذي يمتلك العائدات النفطية، بشكل ايجابي لا يمكن أن تتحقق في حال غياب الادارة الاقتصادية الكفوءة بل ان غياب الادارة الاقتصادية ومخالفة المنطق الاقتصادي سيؤدي حتماً الى انعكاسها (العائدات النفطية) بشكل سلبي على الصناعة والبيئة والاقتصاد والمجتمع وحتى السياسة والامن وغيرها، وسيتم تناول هذا الانعكاس السلبي في مقال لاحق ان شاء الله.
ان العائدات النفطية لها آثار ايجابية على الاقتصاد الوطني وعلى اقتصادات الدول الاخرى ذات العلاقة مع الدول ذات الاقتصادات النفطية، مثل تحويلات العاملين على سبيل المثال، وذلك من خلال تحقيق الآثار المرغوبة.
ويمكن أن نجمل تلك الآثار في هذا المقال وكما يلي:
1- تحقيق معدلات عالية من الرفاه المادي والاقتصادي للمواطنين وذلك من خلال زيادة معدل الدخل الفردي وزيادة الخدمات المقدمة من قبل الدولة للمواطنين كالتعليم والصحة والامن والضمان الاجتماعي وغيرها، خصوصاً في ظل تبني الدولة نظام سياسي ديمقراطي قادر على تلبية احتياجات الشعب وتطلعاته، وذلك من خلال المالية العامة عبر نافذة الانفاق العام. كما ان الزيادة في الانفاق العام تؤدي الى زيادة الدخل القومي بشكل اكبر بفعل ما يعرف بمضاعف الانفاق، وهذا ما يؤدي الى زيادة دخول الافراد بشكل اكبر.
٢- من خلال الاستثمار الجيد والتوجيه الصحيح للعائدات النفطية ستؤدي الى ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي الذي ينعكس على النمو الاقتصادي بشكل مباشر؛ كون النمو الاقتصادي هو الزيادة في انتاج السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع خلال مدة زمنية معينة.
وتجب الاشارة، الى مسألة في غاية الأهمية، تتعلق بالعائدات النفطية والنمو الاقتصادي، وهي ان ارتفاع النمو الاقتصادي لبلد نفطي كنتيجة لزيادة العائدات النفطية لا يُعد نمو اقتصادياً متيناً لأنه اولاً لم يتولد من انتاج الانشطة الاقتصادية من جانب ولم يسهم في اضافة طاقة انتاجية الى الاقتصاد الوطني من جانب اخر بل والبعض يعده نمواً سلبياً كونه كان نتيجة لاستنزاف الثروة الوطنية العامة، وعليه فالنمو الاقتصادي لابد ان يكون مدفوعاً بواسطة العائدات النفطية، اي تفعيل الانشطة الاقتصادية بفعل العائدات النفطية حتى تنعكس على النمو الاقتصادي بشكل متين، لا مدفوعاً بالعائدات النفطية بشكل مباشر، لان هذا الاخير يؤدي الى ظهور المرض الهولندي.
3- تؤدي العائدات النفطية الى زيادة الانفاق العام وذلك من اجل انشاء وتشغيل وتطوير التجهيزات الاساسية اللازمة لانطلاقة التنمية الزراعية والصناعية، بالإضافة الى امكانية التوسع في القروض الميسرة المقدمة للفلاحين والحرفيين لتشجيعهم على العمل وتطوير اعمالهم او من خلال الاعانات المباشرة والاعفاءات من الرسوم الكمركية، زد على ذلك من الممكن ان تقوم الدولة، في حال ضعف القطاع الخاص او لديه القدرة لكنه لا يستطيع اشباع الطلب المحلي، بالاستثمار المباشر في المشاريع الزراعية والصناعية الكبرى، بشكل مكمل للقطاع الخاص وليس منافس له، من أجل تكامل القطاعين والاسراع ببناء الاقتصاد وتلبية احتياجات المجتمع الزراعية والصناعية.
4- ينجم عن زيادة العائدات النفطية زيادة في العملات الاجنبية بالنسبة للبلدان الريعية وهذه الزيادة تستحق زيادة في الودائع الحكومية مما تؤدي الى زيادة قوة مركز الحكومة النقدية الامر الذي يتمخض عنه زيادة في الانفاق الحكومي وذلك بما يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
5- تسهم العائدات النفطية في انشاء الصندوق السيادي بل هي من مقومات انشاءه، وهذا ما يسهم في وقاية الاقتصاد وحمايته من الصدمات الخارجية التي تحصل في الاسواق الدولية، لان اسعار النفط تتحدد وفقاً للأسواق الدولية لا الاسواق المحلية، وهذا ما يقلل من الآثار السلبية المرافقة، للعائدات النفطية، التي تظهر في ظل غياب الصندوق السيادي، فالعائدات النفطية هي احد مقومات انشاء الصندوق السيادي الذي يسهم في انشاء حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية.
6- تحسين اداء التجارة الخارجية وذلك من خلال استخدام العائدات النفطية(العملات الاجنبية) في استيراد الآلات والمعدات والمكائن الحديثة بالإضافة الى الاستعانة بالكفاءات والخبرات الفنية والعلمية من اجل نقل وتوطين التكنلوجيا داخليا، وهذا يؤدي الى انتاج السلع والخدمات بأسعار منافسة والدخول الى الاسواق العالمية بكل جدارة ومن ثم تحقيق زيادة في الصادرات ومن ثم زيادة الفائض في الميزان التجاري.
7- التوسع الاستثماري في الخارج، اي ان الزيادة في العائدات النفطية تجعل من الممكن استثمارها ولكن بعد سد الحاجة المحلية، في مشاريع اقتصادية وخاصة الزراعية في البلدان التي تتمتع بالموارد الطبيعية الزراعية وتفتقر للأموال مثل السودان والصومال والمغرب. كما ويمكن استخدامها (العائدات النفطية) كأداة في السياسة الخارجية وذلك من خلال تقديمها كمعونات ومساعدات للدول الفقيرة، لكن دون ان يترتب عليها اعباء كبيرة، وفائدة هذه المعونات والمساعدات هو ربط مصالح الدول بشكل أوثق. فمثلا ان لدول الخليج استثمارات كبيرة في الخارج وانها تحاول التوسع في استثماراتها في الدول النامية بصورة خاصة، فاذا ما تم الربط بين ما تقدمه من معونات وبين ما تستثمره لأغراض تجارية تعود عليها بالنفع عندها تشكل هذه المعونات مصلحة الدول النامية وفي الوقت ذاته تحقق مصلحة الدول المُقدمة للمعونات.
فاذا افترضنا مثلا ان الكويت تريد ان تمول مشروعا للسكر في الصومال وهذا المشروع لا يمكن ان ينفذ إلا اذا تم رصف طريق بين المزارع ومصنع السكر. هنا نجد ان شركات الاستثمار تريد ان تمول المصنع ولكنها لا تريد ان تمول رصف الطريق. وتقديم المعونة لتمويل الطريق سيجعل هذه الشركات تفوز بالحصول على الترخيص في الاستثمار وتمويل المشروع.
الخلاصة، العائدات النفطية هي نعمة بحد ذاتها إذا تم استيعابها وادارتها ادارة كفوءة وفقاً للمنطق الاقتصادي وبما يخدم الاقتصاد الوطني ومراعاة الاجيال الحالية واللاحقة. لكن من المحتمل ان تتحول النعمة الى نقمة في حال غياب الادارة الكفوءة وفقدان المنطق الاقتصادي والابتعاد عن خدمة الاقتصاد الوطني.
وحتى يتم تحقيق الاثار الايجابية لابد من مراعاة النقاط ادناه:
اولاً: رسم سياسة اقتصادية واضحة المعالم، حتى يتم استيعابها من قبل جميع الجهات ذات العلاقة، والتفاعل معها بشكل ايجابي وسلسل.
ثانياً: العمل على فسح المجال امام القطاع الخاص مع تحديد مهام القطاع العام، اي العمل على رسم سياسة تتعلق بالقطاعين خاصة بإدارة القطاع النفطي فنياً ومالياً.
ثالثاً: الاستفادة من التجارب العالمية والاقليمية المتعلقة بإدارة القطاع النفطي ادارياً وفنياً ومالياً، لان التجارب ستقلل الكلف وتختصر الزمن.
رابعاً: الأخذ بعين الاعتبار مسألة العدالة الاجتماعية في كل الخطط والقرارات الاقتصادية، لان الثروة النفطية هي ثروة عامة لا يمكن اقتصارها على فئة دون اخرى وجيل دون آخر، أي لا بد أن تشمل الجميع مكانياً وزمانياً.