ان الاعوام التي تلت 2014 اثبتت ضرورة التأسيس لاقتصاد اكثر استدامة وشمولية، من خلال تكثيف الموارد المالية للدولة لتلافي الفجوات الاقتصادية التي تنتج عن تقلبات اسعار النفط عالميا لدوله مثل العراق يشكل النفط ٩٧٪ من مجموع صادراتها.
ان المشكلة التي واجهت الاقتصاد العراقي خلال تاريخه الحديث هو هيمنة الريع النفطي منذ اكثر من نصف قرن حيث اخذت الواردات المتأتية من تصدير النفط تشكل شيئا فشيئا الرافد الرئيسي للمالية العامة مبتلعة كل القطاعات الحكومية الاخرى والتي يجب ان تشكل روافد اضافية للموارد المالية للدولة، وقد برزت هذه المشكلة بصوره واضحة المعالم بعد عام 2014 حيث جابهت الحكومة العراقية مازق كبير تمثل بانخفاض اسعار النفط لحدود 30 دولار وعجز الواردات النفطية المتحصلة عن سداد قيمة الاجور والرواتب الحكومية فضلاً عن الإيفاء بباقي التزاماتها.
في خضم الارباك المالي للدولة تجلى ضعف باقي قطاعات الدولة على تحقيق واردات إضافية للخزينة المركزية لتمويلها بما تحتاجه من أموال، ومن اهم هذه القطاعات هو الجباية الضريبية والجمركية وما يجب ان تشكله من رافد ضخم لتمويل الموازنات الحكومية.
لقد تنبهت العديد من دول الاوبك لأهمية الضرائب والرسوم في تدعيم الموقف المالي و تصحيح الاتجاهات التمويلية بعد الاعتماد المفرط على الريع، فقد اصدرت العديد من الدول النفطية ومن ضمنها السعودية والإمارات حزمة قرارات لفرض الضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% كان من المفترض ان تدخل حيز التنفيذ هذا العام لتودع هذه الدولتان عقودا من الرفاهية المفرطة عاشها مواطنوها والمقيمون فيها دون ضرائب، في حين اختارت الدول الخليجية الأخرى تأجيل هذا التطبيق، وقد كانت دول الخليج قد قررت تطبيق هذه الضريبة بشكل موحد بداية عام ٢٠١٨ لكن التفسخ الذي أصاب منظومة مجلس التعاون الخليجي على إثر إعلان السعودية والإمارات والبحرين فرض حصار على قطر ساهم في عدم توحيد الموقف من الضريبة.
ويهدف هذا التوجه إلى رفع الإيرادات الغير نفطية لهذه الدول بعد انخفاض اسعار النفط عام 2014 وانخفاض الخزين المالي الاستراتيجي لهذه الدول إضافة إلى أعباء الإنفاق العسكري على الحروب ودعم المواقف السياسية في بعض الدول بمليارات الدولارات.
ومن منطلق تكثيف الموارد غير النفطية وفي محاولة للخروج من الاطار الريعي للايراد توجهت الحكومة العراقية في قانون موازنه 2018 بقرار فرض ضرائب ورسوم على بعض السلع والخدمات ورفع نسبة الضرائب والرسوم للبعض الاخر وكما يلي،
1. ضريبة دخل ٣-١٥٪
2. ضريبة استيراد سيارات ١٥٪
3. ضريبة عقار ١٢٪
4. ضريبة مبيعات على خدمة تعبئة الهاتف والانترنيت ٢٠٪
5. رسم مطار بمبلغ ٢٥ الف دينار للتذكرة الخارجية و١٠ الاف دينار للداخلية
6. ضريبة مبيعات على المطاعم والفنادق للدرجة الممتازة والأولى ١٥٪
7. ضريبة وقود ١٠٪
8. ضريبة المشروبات المحلاة بالسكر ١٠ سنت لكل ١ لتر
9. ضريبة المشروبات الكحولية ٢٠٠٪
10. ضريبة السكائر والمعسل ١٠٠٪
11. ضريبة خدمات امانة بغداد ١٠٪
12. ضريبة صيانة الطرق والجسور ٨٪ من قيمة المركبة
13. زيادة أجور الماء والكهرباء بنسبة ٥٪
ان اتجاهات المالية العامة العراقية تؤشر نحو ضرورة هذه الضرائب و دورها المفصلي في رفد الخزينة المركزية، ولكن يبقى السؤال الجوهري عن ماهية القرار الاقتصادي، والهدف المتوخى من اي قرار وعن سقف الامكانات المتاحة لتنفيذه، اذ ان القرار بحد ذاته لا يعني بالضرورة امكانية تنفيذه، وبالنسبة لقرار مثل فرض ضرائب ورسوم اضافيه او زياده هذه النسب يجب ان يعضد بمجموعة قرارات إضافية للجم الارباك الذي سيحصل نتيجة ارتفاع أسعار الكثير من المنتجات، وهي مشكلة تضاف على كاهل الفقراء من ابناء الشعب و الذي قد يصل نسبتهم لحدود 30٪ ممن هم دون حد الفقر وممن هجروا من بيوتهم ومدنهم بعد احداث داعش الارهابي وسقوط عدد من المدن في قبضة التنظيم الارهابي ، وان المتابع للشأن المحلي يلاحظ ارتفاع وتيرة الاسعار لكثير من البضائع و المنتجات خلال الأيام القليلة الماضية مع بروز الكثير من التكهنات والاخبار التي ملئت صفحات التواصل الاجتماعي و تداولتها بعض القنوات الفضائية حول أسعار المواد في السوق المحلية بعد ١/٧/٢٠١٨ و ما قد يشكله من ثقل قد يعجز عن حمله المواطن الفقير فضلا عن أصحاب الدخول المتوسطة.
ان الحكومة ملزمة بالتوضيح المستمر لحقيقه هذه الزيادات ونسبها وتسليط الاضواء على ما يمكن ان يشكله هذا القرار من اضافات على الواقع الاقتصاد العراقي، والعمل على نشر الوعي الضريبي بين المواطنين، بالإضافة الى بعث رسائل اطمئنان للمواطن العراقي، توضح فيها مستويات ارتفاع الاسعار الناجم عن تطبيقها، وتسحب بذلك البساط من تحت اقدام المنتفعين ممن عمدوا الى استغلال الوضع الراهن وعمدوا الى رفع اسعار بعض المواد بنسبة تفوق نسبة الزيادة الضريبية مما خلق حالة من الفوضى والارباك في الاسعار قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي للبلد في وقت تشهد العلاقة بين المواطن وبين الدولة ازمة ثقة عميقة كنتيجة حتمية للإخفاقات المتتالية للحكومات العراقية في كثير من المواقف وعدم تلبية العديد من الاحتياجات العامة لأبناء الشعب.
واما اذا كانت هذه القرارات مختصرة على زيادة الضرائب والرسوم بدون حزمة من الإصلاحات المالية والإدارية، وتنشيط دور القطاع الخاص والقطاعات الانتاجية الوطنية الأخرى، فأن الامر قد يقودنا الى مزيد من الفوضى وبشكل قد يكون اقسى واوسع مما حصل قبل عدة أيام في الشارع الأردني، والذي غص باحتجاجات شعبية سلمية شارك فيها الاف وانتهت باستقالة حكومة هاني الملقي، وتعهد رئيس الوزراء المكلف عمر الرزاز بسحب مشروع قانون الضريبة الجديد، والذي اثار غضب الشارع الأردني اعاد الى الاذهان صورة الربيع العربي وما خلفه من تغيرات سياسية واجتماعية.
ان الحالة العراقية تعد اشد تعقيداً من الحالة الأردنية، وقد يصل بنا الحال الى مالا يحمد عقباه، ان لم يكن للحكومة خطة عمل كاملة تتجاوز فرض الرسوم والضرائب الى بناء قاعدة صناعية وانتاجية، تنتشل العراق من واقعه الاقتصادي المتراجع وتخفف من ثقل هذه القرارات على المواطن البسيط، من خلال عدة خطوات لدعم قرارات فرض الضرائب، وكما يلي
• تحديث وتطوير البيئة المالية واستخدام الوسائل الحديثة لجباية الضرائب والرسوم من خلال اعتماد الوسائل التكنلوجية .
• الضرب بقوة وحزم رؤوس الفساد التي نخرت بدن الدولة العراقية والحد من نفوذ الاحزاب السياسية والمتنفذين في دوائر الدولة عموماً ودائرة الجباية الضريبية خصوصاً.
• السيطرة على المستوى العام للأسعار ومنع فرض أي زيادة مبالغ بها من قبل بعض التجار لتحقيق أرباح سريعة على حساب الناس .
• تحريك عجلة الاقتصاد العراقي والخروج من حالة الركود التي ضربت الأسواق العراقية منذ فترة ليست بالقصيرة، والعبور به الى مرحلة الانتعاش.
• القيام بخطوات حقيقية وجادة لتنشيط القطاع الخاص وانعاش الصناعة الوطنية للاضطلاع بدورها الطبيعي في تشغيل الايد العاملة، والاستفادة من ارتفاع أسعار المستورد لتدوير عجلة الإنتاج المحلي.
• عدم فرض والغاء أي زياد بالنسبة للمواد الخام وتخفيفها للمواد النصف مصنعة، وحصرها على البضائع المصنعة كلياً لدعم الواقع الإنتاجي المحلي.
• تحديث وتطوير النظام التعليمي ونشر الثقافة الضريبية بين افراد المجتمع من خلال تأكيد المناهج الدراسية بأهمية الجباية في تطوير المستوى الاقتصادي.
• المحاولة الجادة والحقيقية لإعادة ثقة المواطن بالقرارات الحكومية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنهوض بمستوى الخدمات العامة التي تبذلها الدولة للمواطن، مع الايفاء بالتزاماتها اتجاه الجماهير، لقطع الطريق امام الاشاعات والاخبار الكاذبة التي تطمح لأرباك الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد.