مستقبل التغيير السياسي في العراق: قراءة في السلوك السياسي للقوى التقليدية بعد انتخابات 2021

(تقرير وقائع حلقة نقاشية نظمها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم السبت الموافق 13 آب 2022).

المشاركون:

الشيخ مرتضى معاش

ا. د. خالد عليوي العرداوي 

ا. م. د. قحطان حسين اللاوندي

أ.م.د حسين احمد السرحان

السيد حيدر عبد المنعم الجراح

السيد احمد جويد 

السيد عدنان الصالحي

السيد علي الطالقاني

السيد باسم الزيدي

السيد محمد الصافي 

السيد حامد عبد الحسين

الورقة البحثية من اعداد (د. حسين احمد السرحان):

التغيير لغة في المعجم الوسيط هو "جعل الشيء على غير ما كان عليه"، فالتغيير مصدر يعبر عن صيغة مبالغة مشتق من الفعل) غيّر (الشيء بمعنى حوله وبدله بآخر، وأيضا جعله غير ما كان عليه في السابق، وتغيّر: تحول وتبدل. 

في اللغة الانجليزية هو استمرار حالة الاختلاف والتي تطبع سمات ظاهرة معينة مقارنة بمدة سابقة للظاهرة نفسها وليس لغيرها، وهنا يكمن المعنى الحقيقي للتغيير فهو مرتبط بظاهرة أو نظام ما تتعرض سماته العامة أو أجزاء منه إلى حالة اختلاف مقارنة بالمدة السابقة له بغض النظر عن الامد الزمني.

والتغيير السياسي كذلك هو "مجمل التحولات التي قد تتعرض لها البنى السياسية في المجتمع أو طبيعة العمليات السياسية والتفاعلات بين القوى السياسية وتغيير الاهداف، بما يعنيه كل ذلك من تأثير على مراكز القوة بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها أو بين عدة دول.

ويأتي التغيير السياسي استجابة لعدة عوامل أهمها:

1. الرأي العام، أو مطالب الافراد من النظام السياسي، لكن هذه المطالب لن تتحول في كثير من احيان إلى مخرجات إذا لم يتم تبنيها من قبل الاحزاب وجماعات المصالح والضغط.

2. تغير في نفوذ وقوة بعض الحركات والاحزاب وجماعات المصالح، بما يعنيه تحول الاهداف الحزبية أو الخاصة من إطار الحزب إلى إطار الدولة.

3. تداول السلطات، في الحالات الديمقراطية، أو إعادة توزيع الادوار في حالات أخرى كالانقلابات، يعني تلقائيا أن حياة سياسية جديدة بدأت تتشكل، وفق منطق القيادة الجديدة.

4. ضغوط ومطالب خارجية، من قبل دول أو منظمات، وتكون هذه الضغوط بعدة أشكال، سياسية واقتصادية وعسكرية.

في العراق، هناك شبه إجماع حول حتمية التغيير في العراق للخروج من حالة الفشل والانغلاق السياسي والتأزم المتصاعد، لكن التحدي الأكبر هو الضبابية حول كيفية التغيير ومدى التحول السياسي وبأي اتجاه، خاصة بالنسبة للقوى المعارضة للنظام الحالي.

وعلى الرغم من أن مفردة التغيير قد كثر تداولها مؤخراً من مختلف الفرقاء في العملية السياسية، إلا أن واقع الأمور يدل على هلامية هذا التغيير الذي تتحدد ملامحه حسب تطورات الصراع المستميت للاستحواذ على السلطة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي. فيرتفع سقف التغيير بارتفاع حدة الخطاب الثوري للصدر، وينخفض كلما تسهلت الأمور لتحقيق شروط الصدر، بينما تبقى القوى الوطنية المعارضة فاقدة للمبادرة وفي حالة انقياد وراء تصاعد الأحداث مكتفية باتخاذ المواقف الهشة بدون دعم أو تحشيد شعبي واضح. وبهذا ترتهن عملية التغيير الذي طال انتظار العراقيين لها بصراع بين قوى سياسية حاكمة هي جزء أساسي من النظام السياسي الفاشل نفسه.

وما يزيد من خطورة هذا الأمر هو عدم نضج النقاش في الفضاء العام حول التغيير المطلوب لمعالجة جوهر الأزمة المستمرة في النظام السياسي، بما لا يتجاوز الطرح المقتضب لمحاولات التعديلات الدستورية التي بادرت اليها القوى السياسية الحاكمة بعد احتجاجات تشرين 2019؛ومنها اللجنة التي شكلها مجلس النواب وفق المادة 142 من الدستور التي تتضمن آلية انتقالية ومؤقتة - تبقى نافذة لحين تحقيق أهدافها وتنتهي بمجرد إتمام العمل بها – لإجراء تعديلات شاملة للدستور عبر لجنة في مجلس النواب الذي يصادق على توصياتها بالأغلبية المطلقة، ثم يوافق عليها الشعب في الاستفتاء بأغلبية المصوتين مع عدم رفض ثلثي عدد المصوتين في ثلاث محافظات عراقية. وقد أعلنت هذه اللجنة انتهاء أعمالها بالتوافق على تعديلات «غير خلافية وتسهم في اصلاح العملية السياسية»، منها تقليل أعضاء المجلس، وتعديل تعريف الكتلة الأكبر لتسهيل تشكيل الحكومة، وإصلاح السلطة القضائية، وتعديل صلاحيات وانتخابات مجالس المحافظات والمحافظ، بينما لم تتفق اللجنة حول مواد خلافية خاصة تلك المتعلقة بالمادة 140 حول المناطق المتنازع عليها.

كذلك شكلت رئاسة الجمهورية لجنة أخرى وفق المادة 126 التي تتضمن آلية دائمة – بكونها مادة أصلية في الدستور – لتعديل الدستور بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب عبر الاستفتاء العام، لكن بشرط عدم تعديل صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. وقد استكملت هذه اللجنة مقترحاتها التي شملت تشكيل مجلس الاتحاد وتحديد صلاحياته، وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، وتقليل عدد النواب، وتعديلات قضائية، ولطريقة تشكيل الحكومة، بينما لم تتطرق الى علاقة المركز بالإقليم. كذلك تضمنت مقترحات اللجنة صلاحية حل البرلمان من دون الحاجة إلى تصويت أعضائه، في مقابل قدرة البرلمان على سحب الثقة من الرئاستين وذلك من أجل خلق نوع من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إن هذه التجربة في محاولة إصلاح النظام السياسي عبر إجراء التعديلات الدستورية من داخل منظومة الحكم قد أثبتت فشلها، من جهة بسبب عدم توافق القوى السياسية الحاكمة على متابعة إجراءات التعديلات الدستورية المقترحة، ومن جهة أخرى بسبب قصور مدى التعديلات المطروحة في تحقيق إصلاح حقيقي في النظام السياسي.

السبب الجوهري في فشل النظام السياسي الحالي ليس عبر تسييس قرارات المحكمة الاتحادية لصالح طرف سياسي دون الآخر، أو في عدم وضوح تعريف الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة، أو حتى في صلاحيات مجالس المحافظات وانتخابهم للمحافظ، بل هو بالدرجة الرئيسة بسبب تغوّل سلطة البرلمان – ومن خلاله سلطة الأحزاب السياسية -على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية للدولة العراقية. القصور الأهم في النظام السياسي العراقي هو في السلطة التنفيذية التي هي فريسة لبرلمان منقسم يتخذ التوافقية والمحاصصة أساساً لتقاسم النفوذ على الحكومة، والعلة هي في الدستور العراقي الذي أعطى سلطة شبه مطلقة للبرلمان الذي تسيطر عليه أحزاب تعكس الانقسامات المتعددة في المجتمع العراقي، بينما تكون الحكومة ضعيفة ورئيس الوزراء شبه مشلول أمام القيود الدستورية للبرلمان وأحزابه المتحاصصة.

إن تفاصيل الحلول المطلوبة لمعالجة القصور في النظام السياسي العراقي الحالي تكمن في تشخيص مكمن الخلل ولزوم تطوير الخطاب السياسي للتغيير من العناوين العامة التي يمكن تجييرها لخدمة مصالح سياسية ضيقة تحت غطاء الخطاب الثوري أو الشرعية الدستورية – وهو ما يحدث لحد الان عبر صراع التيار مع الإطار – الى مسار محدد يعالج المشكلة الجوهرية للنظام السياسي العراقي منذ 2003.

المشاهد المطروحة: 

التغيير السلبي والذي يشير الى اندثار عملية التحول الديمقراطي في العراق: إذا استمرت القوى السياسية المؤثرة في مواقفها الضعيفة والهامشية، فستظل القوى التي تتمكن من استثمار نقمة الجماهير على الأحزاب وعلى نظامها السياسي الفاشل، هي الصانعة للأحداث ورؤيتها للتغيير السياسي هي السائدة. وقد ينتهي الأمر في العراق بتغيير النظام الى رئاسي سلطوي بدون رقابة وبدون فصل حقيقي بين السلطات.

التغيير الايجابي وتغيير منظومة الحكم: منظومة الحكم في العراق رسخها المحتل والقوى السياسية والدينية المؤثرة في البلاد وبقيت طوال 5 دورات انتخابية ترسخ فيها منطق المحاصصة والتغانم تحت يافطة الديمقراطية التوافقية. وهنا المشهد يفترض تغيير في منظومة الحكم، ومعادلة الحكم في العراق. 

ولإثراء النقاش أكثر، علق واجاب المشاركون على الاسئلة التالية:

س1/ كيف تقيم السلوك السياسي للقوى السياسية بعد الانتخابات المبكرة في تشرين الاول 2021؟

س2/ في ضوء المعطيات المذكورة انفاً، ما هي السبل الكفيلة بأحداث التغيير السياسي الضامن لخلق بيئة سياسية تضمن الاصلاح السياسي الشامل؟ 

وكانت خلاصة الاجابات كما في ادناه:

1. لابد من التركيز على السلوك السياسي للقوى السياسية الحالية، وينبغي تصحيح وتقويم هذا السلوك باتجاه بناء الدولة ومؤسساتها، ثم يمكن الحديث عن تغيير سياسي ايجابي ينتشل الدولة العراقية من حالة الضعف والتدهور. 

2. القوى السياسية الحالية قوى فوضوية ولا تكترث لبناء النظام السياسي، وقوى نفعية تنتهج الفوضى وتعتاش عليها. ولذلك بعد انتخابات 2021 وصلت المنظومة السياسية الى طريق مسدود واصبحت منظومة فاشلة ووصلت الاوضاع الى المرحلة الصفرية تجسدت في عدم القدرة على التداول السلمي للسلطة.

3. الوضع الراهن في العراق سيستمر في المرحلة المقبلة وستشهد المنظومة السياسية الحالية شللا كاملا وتعطيل لمؤسسات الدولة كما في لبنان.

4. الخشية من التغيير وحالة الجمود الحالية ستقود الى زوال الاحزاب التقليدية.

5. الفاعل الاقليمي والفاعل الجماهيري سيكونان هما المؤثران في الساحة العراقية في المرحلة المقبلة. وبالتالي القوى الجديدة، فضلا عن التقليدية، لن تكون قادرة على مجاراة التطورات والتأثير في الاحداث.

6. التوجه الذي طرحه التيار الصدري باتجاه حكومة الاغلبية هي خطوة جيدة باتجاه تصحيح معادلة الحكم في العراق، ويضمن تحقيق اهم شروط النظام البرلماني بوجود معارضة برلمانية ويمكن ان تكون عملية الرقابة السياسية على اداء الحكومة رقابة حقيقية.

7. لم تكن خطوة التيار الصدري بسحب نوابه من مجلس النواب خطوة صائبة، فهو بذلك خسر قوته السياسية والنيابية، وفقد تأثيره النيابي وفسح المجال واسعا لمنافسيه ومعارضيه في مشروعه السياسي الذين يتبون التوافق. كما انه خسر دورة في إطار سلطات ومؤسسات الدولة لإحداث التغيير عبرها.

8. المنظومة السياسية ومؤسساتها لم تعد قادرة على التغيير والاصلاح، فهي مؤسسات وسلطات معادلة حكم توافقية تغانمية هدفها المنافع الحزبية وليس بناء الدولة وتصحيح السياق الديمقراطي والارتقاء بمرحلة التحول الى النظام السياسي الديمقراطي. 

9. المبادرات التي تطرح بين الحين والاخر من قبل القوى السياسية او الحكومة هي باتجاه مصلحة النظام المشوه الحالي ولن تنتج اصلاح او تغيير وانما هدفها درء المخاطر المتوقع حصولها نتيجة التقاطعات الحادة بين الاطراف الرئيسة المختلفة. 

10. الخطاب السياسي الحالي حول التظاهرات يغلب عليه التأثير على عاطفة الجمهور بصيغ دينية ومذهبية هدفه تحفيز الجماهير لتحقيق رؤى سياسية جزئية. وهذا السلوك غير صحيح وغير وطني. 

11. خطاب النخب السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية الرافض لهذه القوى السياسية لم يعد يجدي نفعا، ولا يجد اذان صاغية له، ولا يؤخذ باهتمام.

12. لا يمكن اجراء تغيير او اصلاح وفق رؤى طرف سياسي معين او جهة جماهيرية معينة، بل لابد من توسيع دائرة الاحتجاج عبر طرح رؤى وطنية هدفها الاصلاح الشامل.

13. الجماهير الحالية هي جماهير أطراف سياسية شاركت في السلطة بصورة متباينة وساهمت بشكل مباشر او غير مباشر فيما وصلت اليه الاوضاع اليوم. المعضلة هنا انه لا يمكن لأحد ان ينتقد هذه الجماهير. ولذلك لابدان يكون الخطاب الرافض لهذه المنظومة خطاب وطني موجه للعراقيين بكل انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية والثقافية والسياسية حتى يمكن من خلاله تعزيز الحركة الاحتجاجية. 

14. استغلال الدستور والثغرات فيه، والضغط على القضاء عقد الازمة السياسية في العراق. اذ يتم استغلال الدستور في الدفاع عن المصالح الفئوية الضيقة. حيث يَدّعي الجميع حرصه على الدستور في وقت يتم تجاوز التوقيتات الدستورية في تشكيل الحكومات. هذا السلوك لن يدعاي التزام مستقبلي للدستور حتى بعد تعديله او كتابة دستور جديد. 

15. الاشكالية الاساس في المرحلة الحالية، هي هل ان الاصلاح يجري من داخل النظام او من خارجه؟ فالإصلاح او التغيير من داخل النظام السياسي سيكون عبر الصيغ التوافقية، وان سلطات هذا النظام والتي هي نتاج نظام وحكومات توافقية لن تحقق المراد. اما إذا كان من خارج النظام، فتبرز الحاجة الى بروز قوى جديدة وكيانات سياسية جديدة ذات تأثير سياسي وشعبي، وهذا صعب في المرحلة الحالية. 

16. ينبغي توفر الارادة السياسية الوطنية لإجراء الاصلاح السياسي عبر التعديل الدستوري وفق التجربة الماضية والاستفادة منها. وهذه الارادة ينبغي ان تستمر لضمان احترام النصوص الدستورية التي تجاهلتها ولم تلتزم بها القوى السياسية. فالنصوص الدستورية التي وضعت كانت بهدف عدم اجراء أي تعديل دستوري او اصلاح سياسي.

17. ينبغي على القوى السياسي ان تتخلى عن اهدافها الضيقة المحدودة لصالح الاهداف الوطنية الاشمل، فلم تعد الظروف مناسبة لتحقيق اهدافها في بقاء "الزعيم" في السلطة، فالوعي السياسي تغير كثيرا ولم يعد بالإمكان مجاراته بأهداف ترتبط بالمصالح الحزبية او مصالح الزعماء. 

18. الاصلاح لن يتحقق عبر الدستور او القوى السياسية الحالية، فالأطر الدستورية والقانونية والمؤسسات السياسية لا تلبي مطلب الاصلاح والتغيير. وبالتالي لابد من خارطة طريق سياسية وفق خطوات تدرجية خلال مرحلة انتقالية تهيئ البيئة السياسية المناسبة وتضمن المنافسة العادلة لإجراء انتخابات تكون نتائجها ملزمة بعيدا عن سطوة المصالح الحزبية والسلاح المنفلت. 

التعليقات
تغيير الرمز