رفع العراق من قائمة الدول عالية المخاطر: تحدي عدم الادراج فيها مستقبلاً

اعلنت الحكومة العراقية يوم الاحد الماضي العاشر من كانون الثاني 2022 عن رفع العراق من قائمة الدول عالية المخاطر في تمويل الارهاب وغسيل الاموال. جاء ذلك بعد لقاء سفير الاتحاد الاوروبي لدى العراق فيل فارجولا (Ville Varjola) برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم 9 كانون الثاني الجاري وتسليم الكاظمي رسالة قال عنها فارجولا انها تحمل اخبارا جيدة للعراق وهي ان الاتحاد الاوروبي قد رفع العراق من قائمة الدول عالية المخاطر غسيل الاموال وتمويل الارهاب.

كان العراق مدرجًا على قائمة الاتحاد الأوروبي للدول التي تعاني من قصور كبير في مكافحة غسل الأموال anti-money laundering (AML) ومكافحة تمويل الإرهاب combatting the financing of terrorism (CFT) منذ أن أصدرت بروكسل قائمتها الأولى في تموز 2016. وخضعت القائمة لتغييرات منتظمة منذ ذلك الحين، اذ تمت إضافة إثيوبيا وسريلانكا وترينيداد وتوباغو وتونس الى القائمة عام 2017، وأضيفت باكستان عام 2018. وفي عام 2020 ، تم رفع كل من البوسنة والهرسك وغيانا ولاوس وإثيوبيا ومنغوليا وسريلانكا وتونس، فيما ظل العراق ثابتًا على القائمة. اذ صدرت عن المفوضية الاوروبية في ايار 2020 قائمة تضم الدول المصنفة على انها عالية المخاطر ولديها تقصير في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب ضمت العراق الى جانب أفغانستان، وباكستان، وسوريا، واليمن، وإيران وكوريا الشمالية.

الهدف من هذه القائمة هو حماية النظام المالي للاتحاد الأوروبي من خلال منع مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بشكل أفضل. ونتيجة للإدراج، سيطلب من البنوك والكيانات الأخرى التي تغطيها قواعد الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال تطبيق (العناية الواجبة) على العمليات المالية التي تشمل العملاء والمؤسسات المالية من البلدان خارج الاتحاد الاوروبي عالية المخاطر لتحديد أي شبهة قد ترافق تدفقات الأموال بناءً على منهجية جديدة تعكس المعايير الأكثر صرامة للتوجيه الخامس لمكافحة غسل الأموال المعمول به منذ تموز 2018. ويتم وضع القائمة بعد تحليل متعمق لحالة البلدان خارج الاتحاد الاوروبي والتي تدرج كبلدان عالية الخطورة نتيجة قصورها في أطرها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

بينما اكد السفير فارجولا قوله" إن هذه الخطوة ستمهد الطريق لتعميق التعاون المالي والاستثمار"، رحب الكاظمي بالقرار ، قائلا إنه " دليل على جهودنا الدبلوماسية الفعالة. وسنواصل العمل بجد لخدمة مصالحنا الوطنية وتحقيق مكانة العراق التي يستحقها ".

تغيير موقف الاتحاد الأوروبي بشأن العراق يتماشى مع موقف الاقتصادات الرئيسية الأخرى والهيئات الحكومية الدولية الرقابية. 

تم رفع العراق من "القائمة الرمادية" للبلدان التي تحتفظ بها فرقة العمل للإجراءات المالية (FATF) في تموز 2018، وهي هيئة رقابة عالمية لمكافحة غسيل الأموال ومقرها باريس - تُعرف رسميًا باسم قائمة "السلطات القضائية الخاضعة للمراقبة المتزايدة"، وهي قائمة تشبه قائمة الاتحاد الأوروبي للدول ذات التقصير الكبير في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب. هذا الاجراء جاء بعد تأكيد فرقة العمل (FATF) إن العراق قد أحرز " تقدمًا كبيرًا في تحسين نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

كذلك تم رفع العراق من التقرير السنوي للاستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات الذي والذي يتضمن قائمة بالدول تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بوضعها. وأظهر أحدث تقرير، نُشر في آذار 2021 ، ان (80 ) سلطة قضائية رئيسية لغسيل الأموال تضمنها التقرير" بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها ولكن ليس العراق.

كذلك الحال، ومنذ مغادرة الاتحاد الأوروبي، احتفظت المملكة المتحدة بقائمة تضم البلدان التي تعتبر عالية المخاطر لغسيل الأموال. وفي اذار من العام 2021 ، أزالت لندن العراق من القائمة. 

ما تحقق جاء بعد أن قدم العراق للمفوضية الأوروبية ضمانات وتعهدات باستمرار جهوده في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب. واكدت بعثة العراق لدى الاتحاد الاوروبي في تشرين الاول 2021 في بيان لها " ان الفريق الفني العراقي اجاب على جميع استفسارات الجانب الاوروبي لاستكمال التقييم النهائي". وأشار البيان إلى أنّ "الفريق الفني قدم استعراضا بمنجزات منظومة العراق لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وآخر التطورات التي طرأت على قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وآخر التطورات التي طرأت على قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأنواع الجهات الرقابية وعملها، كمجلس مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولجنة تجميد أموال الإرهابيين والمؤسسات المعنية بمكافحة الجرائم المنظمة والسلطة القضائية، وأهم إنجازات العراق بموجب الاستراتيجية الوطنية الأولى لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للمدة 2017-2020".

خروج العراق من القوائم والمعايير اعلاه يحسن سمعة العراق المالية والسياسية بشكل كبير، ويترتب عليه زيادة الدعم من الاتحاد الأوروبي للحكومة العراقية من الناحية السياسية والاقتصادية، فضلا عن انه يسهل على العراق الحصول على ائتمان أو قروض دولية أو قروض من مؤسسات دولية مانحة بشروط ميسرة. كذلك يزيل القيود على التحويلات المالية من العراق وإليه، الأمر الذي ينعكس ايجابا على الاستثمار وعمل المستثمرين فيه، ويمنح الكثير من المزايا التي يتمتع بها في التعاملات المالية والمصرفية.

في ظل المزايا اعلاه وغيرها، تقع على عاتق الحكومة العراقية الحؤول دون ادراج العراق مرة اخرى في تلك القوائم مما يتطلب العمل على متابعة المعايير التي يجري تحديثها باستمرار من قبل المفوضية الاوروبية ولجنة يونكر (Juncker Commission) التي تضم الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، وذلك لان العراق يرتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية مع دول الاتحاد الاوروبي ودول اخرى خارج الاتحاد، وادراج العراق ضمن هذه التصنيفات والقوائم وغيرها، يضع العراق في وضع محرج بالنسبة لدول الاتحاد وباقي دول العالم. كما يؤثر ذلك على موقعه الائتماني وقدرته على الاقتراض، فضلا عن تأثيره السلبي على الاستثمار، والقطاع الخاص العراقي.

التحدي في هذه المرحلة كبير ولاسيما بعد تصاعد دور كثير من الجماعات والقوى في الشؤون السياسية والاقتصادية والامنية للبلاد. عليه فأن الاجراءات المطلوبة لبقاء العراق خارج هذه القائمة، هي اجراءات قضائية وامنية واقتصادية وسياسية تتطلب تعزيز سلطة القضاء وتعزيز انفاذ القانون، والسياسات الاقتصادية الواضحة والشفافة، والخلاص من هيمنة بعض المجاميع على النشاطات الاقتصادية المهمة في البلد. كذلك على الجهات المعنية متابعة المنهجية المعتمدة من قبل لجنة يونكر والمفوضية الاوروبية في تحديد هوية البلدان عالية المخاطر الخاصة بالاتحاد الاوروبي رقم (849 / 2015). والتحديثات الصادرة وما يصدر من تحديثات مستمرة لمواكبة المعايير المعتمدة.

التعليقات
تغيير الرمز