حكومة الإطار تهدر فرصة الاصلاح المالي وواشنطن لن تتراجع

أجرى الوفد العراقي الذي ضم وزارة الخارجية والبنك المركزي اجتماعات عدة في واشنطن خلال النصف الاول من شباط الماضي مع مسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة الخزانة الاميركية والوكالة الاميركية للتنمية الدولية وممثلي عن القطاع الخاص الاميركي، فضلا عن مسؤولين في مكافحة الارهاب وغسيل الاموال ودبلوماسيين وغيرهم، كما نفذت لجنة التنسيق العليا بين العراق والولايات المتحدة الاميركية عدة اجتماعات بحضور وزيري خارجية البلدين. وصدرت بيانات عدة بعد تلك الاجتماعات عن الجانب الاميركي. 

يمكن القول ان واشنطن، ومن خلال البيانات وتقديرات المواقف التي صدرت، تشدد على تعزيز الاهداف المشتركة بين الحكومتين بالاستقرار والأمن والسيادة والوحدة في العراق وتعزيز وتسريع الفرص الاقتصادية ومساعدة الحكومة العراقية. 

الإصلاح الاقتصادي والقطاع الخاص وتنويع الاقتصاد العراقي وخلق المزيد من الفرص الاقتصادية للعراقيين وتعزيز البيئة الممكنة للنمو الاقتصادي هي ما تؤكد عليه واشنطن، وتؤكد واشنطن على دعم أنشطة في مجالات مختلفة توزعت بين دعم حاضنات الاعمال والشركات في قطاعات الطاقة، حيث قرر الجانبان الإسراع في تنفيذ مشاريع احتجاز الغاز المشتعل في محاولة لتحقيق صفر حرق تقليدي بحلول العام 2030 والوفاء بالتعهد العالمي بشأن الميثان، كذلك الطاقة النظيفة والمتجددة، اذ استضاف مجلس الأعمال الأمريكي-العراقي التابع لغرفة التجارة الأمريكية مائدة مستديرة للوفد العراقي مع 40 شركة أمريكية ورواد في القطاع من أصحاب الخبرة في مجال التقاط الغاز وتحديث البنية التحتية للكهرباء والطاقة المتجددة. وأعلنت غرفة التجارة بعد هذه الفعالية أنها ستقود بعثتين تجاريتين أمريكيتين الى العراق في حزيران القادم لاستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية. كما ركز الجانبان على الزراعة والصناعة والموارد المائية، وتغير المناخ -وكشف الوفد العراقي عن أن العراق سينشر عما قريب استراتيجية حكومية شاملة لمواجهة تغير المناخ. 

الموضوع الابرز الذي يتطلب العمل عليه من قبل بغداد هو أسواق سعر صرف العملات الموازية وتحديث النظام المالي والمصرفي، وتعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد ومنع التلاعب بالنظام المالي وتمويل الارهاب. وهذا من أبرز المسائل التي تركز عليها واشنطن بعد توجهها بتشديد العقوبات على إيران وتعزيز حرمانها من العملة الصعبة والتي تدخل لها من العراق بسبب سيطرة اتباعها على المؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية والافادة التي تجري من نافذة بيع العملة (الدولار) في البنك المركزي العراقي. 

شددت وزارة الخارجية الاميركية انها تفرض عقوبات على شبكة “ظل مصرفي” تضم 39 كيان، وتقوم أنظمة التمويل غير الشرعية والمنتشرة بتوفير إمكانية الوصول الى النظام المالي الدولي للكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات وتمكنها من التعتيم على تجارتها مع عملاء أجانب. وتتخذ وزارة الخزانة إجراءات اليوم بموجب الأمر التنفيذي رقم 13846، مما يبين التزام واشنطن بإنفاذ العقوبات على النظام الإيراني وتعطيل الشبكات الأجنبية التي يعتمد عليها للتهرب من العقوبات الأمريكية.

واكد المتحدث بأسم الخارجية الاميركية " ان مكاتب الصرافة الإيرانية أنشأت شركات واجهة في الخارج لتمكين التجارة بالنيابة عن عملائها الإيرانيين ومساعدتهم للتهرب من العقوبات الأمريكية، وقد وفرت الشركات التي تستخدم هذه الشبكات عشرات المليارات من الدولارات للنظام الإيراني عبر مجالات متنوعة. وستواصل الولايات المتحدة تعطيل محاولات التهرب من العقوبات الأمريكية وستستخدم كافة الأدوات المتاحة لحماية النظام المالي الأمريكي والدولي".

وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو: "ان إيران تنشئ شبكات معقدة للتهرب من العقوبات، حيث يساعد المشترون الأجانب، ومكاتب الصرافة، وعشرات من الشركات، الشركات الإيرانية التي تم فرض عقوبات عليها لمواصلة التجارة". وان إجراء اليوم يؤكد التزام الولايات المتحدة بفرض عقوباتنا وقدرتنا على تعطيل الشبكات المالية الأجنبية لإيران، والتي تستخدمها لغسل الأموال".

المؤسسات الاميركية لديها اصرار على تنفيذ برامجها القاضية بمنع حصول إيران على الدولار، والحكومة العراقية امام تحدي في هذا المجال. وعلى الرغم من ترحيب واشنطن بالإجراءات المتخذة من قبل الحكومة العراقية والبنك المركزي العراقي فيما يتعلق بمزاد العملة، الا ان واشنطن لازالت غير مكتفية بها، وتريد اجراءات حاسمة من قبل بغداد بموازاة الاجراءات الرقابية التي اعتمدتها وزارة الخزانة الاميركية لتحقيق اصلاح مالي شامل يقود الى انهاء غسيل الاموال وتمويل الارهاب وبالشكل الذي يمنع من تهريب الدولار والعملة الصعبة الى إيران بفواتير مزورة.

قوى الفساد و"الاحزاب" المتنفذة والمتحكمة بالمشهد السياسي، تمارس سيطرتها على المشهد المالي ونافذة العملة وهذا ما تدركه واشنطن، حتى بات معروفا ان مزاد العملة في العراق يمول العنف في المنطقة بفعل تهريب الدولار واستباحة الحدود.

وعلى الرغم من ان واشنطن تُظهر انها تريد مساندة العراق في المجالات الاقتصادية وتنويع الاقتصاد، ومواجهة تغير المناخ، ومجالات الطاقة والغاز وصولا لتخليص بغداد من تبعيتها سياسيا واقتصاديا لايران، الا ان ذلك لا يعني ان واشنطن قد تتراجع او تتهاون في مسعاها لتحقيق هدفها وهو تجفيف منابع التمويل للنظام الحاكم في إيران والتي تأتي اغلبها من العراق.

على الجانب العراقي، فأن الفرصة مؤاتية لاصلاح القطاع المالي ونافذة مزاد العملة والافادة من الدعم الدولي المتمثل بالولايات المتحدة والمنظمات والمؤسسات الاقتصادية الدولية والتي قد تساند العراق في استعادة الاموال العراقية المنهوبة في الخارج، ومن دون استثمار هذه الفرصة وغياب الارادة السياسية والحكومية لتحقيق اصلاح مالي، فلن تتوانى واشنطن في فرض عقوبات تدريجية على بعض البنوك الخاصة والمعروف دورها في مزاد العملة وتهريب الدولار وبالتالي ستنهار الثقة بالنظام المالي في العراق وتسيطر التوقعات الاقتصادية السيئة مما يساهم في تراجع قيمة الدينار وتصاعد معدلات المستوى العام للاسعار وبالتالي تراجع كبير في مستويات المعيشة.

عامل اخر يدعوا الى اجراء اصلاح شامل وحاسم في القطاع المالي، فإلى الوقت الحاضر كل الاجراءات التي اعلنتها الحكومة العراقية وفي مقدمتها تخفيض السعر الرسمي للدولار مقابل الدينار الى 1300 دينار للدولار الواحد، لم تساهم في تحقيق التقارب بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي للدولار في الاسواق المحلية، اذ لازال الفارق كبير ويعود بالفائدة على بعض البنوك والمؤسسات المصرفية المرتبطة بأحزاب السلطة التي لازالت تصر على استدامة المكاسب من أكبر بوابة للفساد في العراق منذ اواخر عام 2003 الى الوقت الحاضر.

التعليقات
تغيير الرمز