استراتيجية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام لمحاربة الفقر.. الجز الأول - المارد اللعين

لو .... كان الفقر رجلا !!! لقتلته .....انطلاقا من موقعه ومكانته المؤثرة سلبا على الحياة الاجتماعية ، واستناداً لشدة وقعه وقوته وبأسه وقساوته وشعوذته على النفس البشرية ، وانعكاساً لمؤثراته العنيفة على منظومة التفكير والسلوك الفردي و الاجتماعي ، وتماشياً وتحليلاً لمكانته الاستراتيجية في التغيير والتلاعب بسلوك الانسان ، جاءت مقولة الامام علي بن ابي طالب "عليه السلام" لو كان الفقر رجلا ... واكملها بكلمة...لقتلته...مدوية بعقول المفكرين والمحللين ، فعلى الرغم من ان ظروف الامامة والخلافة التي تبناها امير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام" آنذاك ، والتي كانت قد مكنته من قتل هذا المارد اللعين ونقصد به "الفقر" الا ان اشارة استراتيجية منه "عليه السلام" قد وردت لتنبيهنا بقوة واهمية هذا المارد او الوحش القاتل. إذا ما استعرضنا منظومة الفقر وماكنته التدميرية الهائلة، لوجدنا ان الفقر كان ولايزال وسوف يبقى سبباً تختفي وراءه معظم الكوارث الاجتماعية والهزات العنيفة التي يتعرض لها السلوك الفردي والاجتماعي، ابتداءاً بالجهل والبطالة، وانتهاءاً بالفساد الاخلاقي والاداري والمالي الذي تشهده المجتمعات البشرية والاسلامية عموما، والمجتمع العراقي على وجه التخصيص. وتنعكس مؤثرات هذا الوحش الكاسر سلبيا على الفرد والاسرة والمجتمع ، ومن اولى انعكاساته ومؤثراته على الفرد انه يساهم في ارباك عمل منظومة التفكير لديه ، وحسب ما دلت عليه وأشارت اليه الدراسات الحديثة ، من ان العقل الانساني الفردي يتكون من ثلاث مناطق : الاولى تسمى" مخ الزواحف" وهذه المنطقة تؤثر تأثيرا مباشرا على استراتيجيات التفكير ، لان خلاياها تصنع عمليات التفكير الخاصة بالغرائز من جوع وعطش وحاجة للجنس وغيره من الاحتياجات التي تتلاءم وتنسجم مع سلوكيات الزواحف ، وتهتم المنطقة الثانية المُسَماة "مخ الكائنات الحية" بعمليات التفكير التي تشترك بها عموم الكائنات الحية وتصنع حينها الشعور بالحنان والمحبة وآليات تكوين الاسرة والتعامل مع بقية افراد الاسرة او المجتمع ، في حيـن تهتم منطـقة التفكير الثـالثة " المُخ الراقي " بعمليات واستراتيجيات التفكير الانساني والمعرفي المُمَيَز. يقوم الفقر بإرجاع عمليات التفكير الى ادنى مستوياته ونقصد بها المنطقة المسماة في الفلسفة الاسلامية " بالنفس الحيوانية " حيث يقوم بتحفيزها، وقمع النفس العاقلة الناطقة ، والعكس هو الصحيح وربما سبب التلازم بين الفقر والتعلم ناتج عن هذه الرؤية المتعاكسة ، فالاكتفاء والرفاه ينتهيان بتفعيل النفس الناطقة او العاقلة ، وهذه النقطة بالذات تنقل الفرد من حالة الى اخرى سلبا او ايجابا حسب طبيعة ومستوى الفقر الذي تشهده الاسر او المجتمعات، وعلى حياة الاسرة بمجموعها ، يساهم الفقر بإرباك مساراتها ، ويؤدي الى تشتيت وتفتيت الاسرة ويحتم عليها ضياع بوصلتها الايديولوجية والمعرفية ، كما ويضرب النظام المعرفي الاسري بالصميم ، فالأب اذا ما كان مشغولا بمعالجة مستوى عائلته ، وتوفير لقمة العيش لأفرادها سينتهي المطاف به وبهم الى افراد تائهين فاقدين عنصر المتابعة من قبل القطب الرئيسي وصمام أمان الاسرة فالأب سوف لن يتمكن من متابعة افراد اسرته ، فظلا عن تكريس الطبقية والفساد الاخلاقي والاداري والمالي . يتلازم الفقر مع ظواهر خطيرة جداً أهمها : ان تفشي وتراجع المنظومة الاخلاقية للفرد والمجتمع ناتج طبيعي عن الفقر ، الفساد الاخلاقي ناتج عن الفقر ، البطالة نتيجة طبيعية للفقر ، الجهل نتيجة حتمية للفقر ، تفشي جرائم القتل بين افراد المجتمع ، وظواهر السلب والنهب ، فظلا عن شيوع ظواهر الحقد والتمايز الطبقي بين افراد المجتمع كلها نواتج منطقية حتمية لظاهرة الفقر ، بقتل ذلك الرجل - الفقر - الذي توعد بقتله أمير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام" سوف تنتهي المأساة الانسانية ، وسوف تتوقف هموم سكان الارض الى اشعار آخر ، لانه - الفقر- وبمنتهى الدقة عامل استراتيجي مؤثر للغاية في حياة الفرد والاسرة والمجتمع. كلما ساهمت وتساهم المجتمعات او الحكومات في عملية تكريسه واسناده، يموت الضمير، وبموته تزداد عمليات التخريب في حديقة الكون " ونقصد بها الارض " تتحول حينها الارض جرداء من كل شيء ، الانسان غير ذلك الانسان ، والمجتمع غير المجتمع ، والحياة غير الحياة ، وبعبارة ادق ان الفقر هو الموت البطيء بأدق صوره ، انه عملية قتل علني للمجتمع برمته وبدماء باردة ، يحل اين ماحل دمار وخراب وفساد في كل شيء في النفوس والارض والهواء ، ولهذا تمناه الامام رجلا ً. واذا ما ساهمت او تساهم المجتمعات والحكومات في وأد او قتل او تقطيع أذرع هذا المارد اللعين ، والوحش الخفي الكاسر ، ونقصد به الفقر ، حينذاك سوف تتنفس المجتمعات رحيق العزة و الكرامة ، وسوف تنتعش ارواح البشر بـ فيوضات من الخير والرحمة والصفاء والرخاء ، وتستنشق صدورهم عبق الازدهار والتطور والنمو والرفاه والاستقرار ، ويتجه المجتمع حينها صوب بر الأمان ، فيتحقق حينها حلم أئمة الارض وأنبيائها بصيرورة وكينونة المجتمع المثالي القيمي الراقي ، وتتشكل رويداً رويداً مدينة الله في الارض ، تلك هي أحد الرؤى الاستراتيجية الكبرى التي لخصها أمير المؤمنين بجملة واحدة تكونت وتبلورت من خمس كلمات " لو كان الفقر رجلا لقتلته " . أئمة لخصوا ويلخصون صلاح حال هذه الامة من عدمه بخمس كلمات ، وبدورها تبتعد هذه الأمة عنهم أميالا تتلوها أميال ، سارحةً قطعانها بغابات من الفساد والوهم بمختلف أشكاله ، سابحةً ببحور الظلمات ، اذاً كيف لنا أن نتوقع مستقبل هذه الامة ، وهي تغادر فكر الأئمة ، وتهجر الرجال الابرار، فائقي الذكاء ، الحالمين بمدينة لله والخير والنور على وجه الارض ، تمهيدا لجنته جنة الخلد ، أترك لكم عقولكم تتوقعون بها حال امتكم الاسلامية وهي تصارع هذا المارد - الفقر - الذي يدك قلاع أمنها المجتمعي ويغزوها من كل مكان ، ويلتف عليها من كل صوب مهددا وجودها ، وهي تبتعد عن أئمة كانوا ولايزالون سداً منيعاً بوجه الشر والسوء والظلم والقهر والتخلف.
التعليقات
تغيير الرمز