الإصلاح السياسي في ثورة الأمام الحسين (ع)

تمر علينا الذكرى السنوية لواقعة الطف الأليمة، وبقدر الألم الذي خلفته الواقعة باستشهاد الامام الحسين فهي تطرز لنا واحده من أروع الملاحم الاسطورية الواقعية، والتي تركت أثارها في نفوس العالم عامة واتباع المذهب الشيعي والاسلامي خاصة، على امتداد التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى الرغم من أن الثورة قد اجهضت، ولم تصل إلى مبتغاها، إلا أنه كانت هناك افكار سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية استطاع الامام الحسين أن يبلورها من خلال تلك الثورة، ومن أبرز ملامح ثورته، وفكره السياسي هي موضوعة الإصلاح السياسي، ودورة في تعديل مسار الامة أو الدولة، التي انحرفت عن مسارها الصحيح أنذاك. مفهوم الإصلاح الإصلاح لغة من فعل أصلح يصلح إصلاحًا، أي إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم، وهو نقيض الفساد. أما إصطلاحًا فيعرفه قاموس "أكسفورد" الإصلاح بأنه" تغير أو تبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائص، وخاصة في المؤسسات والممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة، إزالة بعض التعسف أو الخطأ". الإصلاح يوازي فكرة التقدم، وينطوي جوهريًا على فكرة التغيير نحو الأفضل، وخاصة التغير الأكثر ملائمة من أجل تحقيق الأهداف الموضوعية من قبل أصحاب القرار في حقل معين من حقول (النشاط الإنساني). ويعرف قاموس "وبستر" للمصطلحات السياسية ( 1988 ) الإصلاح السياسي بأنه "تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد". ولهذا يعد الإصلاح السياسي ركنًا أساسيًا مرسخًا للحكم الصالح. للمزيد عن الإصلاح انظر الرابط: http://goo.gl/awmpBZ . إصلاح الامام الحسين واقعي لا اسطوري لا نريد في هذا المقال أن نجعل من الامام الحسين انساناً بدرجة التقديس الإلهي؛ لكي لا نبعد فكره السياسي والإصلاحي والديني عن حياتنا اليومية، لنتعكز على نقطة عقيمة بأن الحسين وصل لمرحلة التقديس الإلهي ومن غير الممكن أو من المستحيل أن نبلور ذلك الفكر في الحياة اليومية، وفي القاموس السياسي المعاصر وتجاربنا اليومية، حتى لا نقتصر على احياء الشعائر الحسينية بدون وعي سياسي وديني واقتصادي، فلابد أن نستثمر الامام الحسين في إصلاح واقعنا المعاصر وإصلاح الدولة العراقية، لاسيما وأن اغلب سياسيها "الدولة العراقية" هم اتباع الامام الحسين كما يسمون انفسهم، سواء تلك الاحزاب التي تستمد فكرها السياسي ونظامها وتاريخها من فكر الامام الحسين "الاحزاب الشيعية الاسلامية"، والتي ستكون هي المعنية اكثر من غيرها في هذا المقال، أو الاحزاب التي تزاوج بين فكر الامام الحسين والأفكار الاخرى سواء المعاصرة أو التقليدية. وتعد ثورة الإمام الحسين (ع) من بين أشهر الثورات الإصلاحية التي حدثت في تاريخ الإنسانية. فثورته لم تكن لجمع المال والبحث عن الجاه، والتطلع إلى الحكم والتسلط على رقاب الناس، بل كانت لضمان مبدأ حرية الإنسان وكرامته، ومنحه حق الكلمة ليطالب بحقوقه ويعيش حياة كريمة بعيدة كل البعد عن الذل والهوان. ولو اخذنا البيئة السياسية والدينية في عصر الامام الحسين لوجدنا أنها عبارة عن بيئة فاسدة غير صالحة للعيش في حياة حرة وكريمة، فاقده لكل معاني الانسانية خاضعة للحكم الأموي الفاسد، الذي يتحكم في ارزاق الناس وضرب اعناق المعارضين لحكمه، دولة الجور والإرهاب وانتهاك الحقوق وضرب القيم الإسلامية عرض الحائط، انتفض الإمام الحسين (ع)؛ لحماية القيم الإسلامية السمحاء التي نشرها جده المصطفى (ص). فالمحافظة على القيم الإسلامية وحماية الدين الإسلامي من الذين يتربصون به، ووضع حد للظلم والجور والفساد، وتطبيق القانون والشريعة وحفظ حقوق الناس، دفعا الإمام الحسين (ع) إلى القيام بثورته، لإصلاح واقع الامة الاسلامية السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي. ولهذا خرج الحسين من أجل ثورة إصلاحية بمعناها الواسع، وقد تبلور ذلك الإصلاح السياسي من خلال قولة الشهير "لم أخرج أشرا ولا بطرا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر... فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق. ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين". وقد قطع الإمام الحسين (ع) الشك باليقين عندما حدد هدف ثورته بكلمة "الإصلاح". فالإصلاح يعني أن تعيش الأمة معززة مكرمة، ينتشر بينها العدل، وتسودها روح المساواة، وتعلو فيها كلمة الحق؛ ضمانا للمحافظة على حرية الإنسان وصون حقوقه المشروعة. وقد كان من نتائج ثورة الامام الحسين توسيع المعارضة للحكم الأموي، إذ شعر المسلمون عامة أن التغييرات التي أحدثها الأمويون في طبيعة الخلافة، بتحولها إلى حكم وراثي، تسنده العصبية القبلية ومضمونه السياسي الاستبداد، هي التي دفعت يزيد بن معاوية، إلى الأمر بقتل الأمام الحسين (ع)، وقد أدت إلى كشف ابتعاد الحكام الأمويين عن مثل ومبادئ الإسلام السامية. ولهذا ففكرة الامام الحسين هو فكر إصلاحي بالدرجة الاساس، يهدف إلى محاربة الفساد وازالته بين الامة والتوفيق بينهم، والانتقال التدريجي من حال إلى حال أفضل، تكون فيه السلطة في خدمة المواطن وليس في خدمة مصالحها الشخصية الضيقة والسير نحو حكم صالح سواء للأمة الإسلامية سابقاً أو الدولة اليوم بمفهومها الحديث والمعاصر. إحياء فكر الحسين ليس احياء للشعائر المجردة من خلال ما تقدم يتبين بأن ثورة الامام الحسين ثورة واقعية ليست مثالية أو خيالية بعيده عن واقع الأمة أو بعيده عن واقعنا السياسي المعاصر، فهي ثورة إصلاحية لواقع أستشرا فيه الفساد "الفساد السياسي والمالي" والظلم والجور وقتل النفس المحترمة والتحكم بإزراق الناس من خلال القبض على السلطة. ليكن هدف الامام الحسين في ثورته من خلال القبض على السلطة، هدفاً استراتيجياً ادارياً إصلاحياً لواقع سياسي مرير، ولم يكن الأغراض شخصية، للتمتع ببذخ السلطة، وإنما كان لأجل تصحيح مسار الحياة السياسية في ذلك الوقت. من هنا فان الإمام الحسين سعى إلى إقامة المشروع الحضاري التنموي الدائم، ذو البعد الإنساني الإصلاحي المقترن بالإدارة الإستراتيجية للامة الاسلامية المتمثل بواقعة الطف الإصلاحية. هذا الفكر الإصلاحي والسياسي للأمام الحسين، والذي دفع حياته وحياة عائلته ثمناً لذلك المشروع الإصلاحي، نحن احوج ما نكون له اليوم في العراق. فالفكر الاستشهادي الذي خلده الامام الحسين تبلور في فكر اتباعه، وترك اثره اليوم بشكل كبير من خلال التضحية بالنفس في مقاتلة الإرهاب لاسيما بعد ظهور تنظيم "داعش" وسيطرته على بعض المحافظات العراقية، وتهديده لكيان الدولة العراقية، وهي تضحيات لابد أن ترفد بفكر الحسين الإصلاحي على المستوى السياسي لكل القوى السياسية في الدولة العراقية ولاسيما القوى الشيعية، لإصلاح الدولة العراقية بعدما فقدت اغلب مقومات العيش، من استشراء للفساد والظلم والجور وقتل النفس المحترمة والفقر والتحكم في ارزاق العالم من قبل طبقة اغلبها تدّعي تمسكها بفكر الامام الحسين (ع). ولهذا فالشعب اليوم لا ينظر إلى الساسة العراقيين بأنهم اصحاب فكر حسيني إصلاحي يسعون إلى توظيف فكر الحسين في تعديل مسار العملية السياسية أو بلورة ذلك الفكر في مشروع لبناء الدولة، والاتفاق على نظرية حكم معينة، لاسيما الاحزاب الشيعية، بل يُنظر لهم على انهم طالبين سلطة، يسعون إلى القبض على السلطة دون الدولة، متصارعين من اجل ذلك، مغيبين الفكر الإصلاحي، وناشرين للفوضى السياسية المتعمدة، ومتمسكين بالممارسة النظرية الخداعة للشعائر والطقوس الحسينية من اجل خداع الشعب ليس إلا. الفكر الثوري للأمام الحسين يقود التظاهرات المظاهرات التي تخرج اسبوعياً، المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، هي جماهير حسينية تستلهم فكرها وعقيدتها من الامام الحسين، وهذه المظاهرات شارفت على الجمعة 15 او اكثر بقليل، وهي تطالب بالإصلاحات، من دون أي جدوى من قبل الحكومة العراقية والقوى السياسية، بل على العكس من ذلك، اخذت الحكومة تستفز المواطن بإجراءاتها التقشفية اكثر واكثر، من خلال استهداف الطبقة الوسطى من الشعب العراقي متجاهلة الإصلاحات الحقيقة في اعلى هرم الدولة العراقية، وهذا بالتأكيد سينذر بتداعيات خطيرة على مستقبل الدولة العراقية والعملية السياسية في ظل هذا الوضع السياسي والاقتصادي المتردي وتغيب الحلول الإصلاحية الحقيقية في اعلى هرم الدولة، التي اصبحت مطلب رئيس واساس وضرورة ملحة للمتظاهرين وللمرجعية الدينية. وعليه فالحسين حاضر في نفوس ومطالب المتظاهرين، وهم يعوا فكر الحسين الإصلاحي، ولهذا يجب على الحكومة العراقية والقوى السياسية أن تتدارك تداعيات تلك المظاهرات بإصلاحات حقيقية شاملة وليست إصلاحات تقشفية ضد طبقات معينة، حتى وأن تطلب الإصلاح القفز على الدستور أو التوافقات السياسية بين القوى السياسية أو قرارات ارتجالية من قبل صانع القرار المسنودة بدعم جماهيري وديني في سبيل تصحيح مسار الدولة العراقية، وإصلاح الحكم، وإدارته، إدارة سياسية سليمة وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى؛ لأن فكر الحسين الثوري سيكون حاضراً عند المتظاهرين إذا ما استمرت الحكومة والأحزاب بتجاهلها أو تسويفها، لاسيما في ظل التضحيات التي تقدم في ساحات المواجهة مع تنظيم "داعش" الإرهابي. وبهذا يمكن أن يكون الامام الحسين (ع)، وواقعة الطف فكر سياسي إصلاحي حقيقي، يمكن للقوى السياسية العراقية أو الشيعية على الأقل استثماره أو أن تحتذي به في إصلاح الدولة العراقية، وعدم الاقتصار على الممارسات النظرية والروحية الخالية من مظاهر المعالجات الحقيقة للواقع السياسي المعاصر، قاصره جهودها بإقامة مجالس العزاء وممارسة الشعائر الحسينية الظاهرية؛ لتوهين المواطن بتلك الشعائر غير المجدية. إذاً يفترض بالقوى السياسية بلورة فكر الامام الحسين السياسي في إصلاح العملية السياسية والاستجابة الفعلية لمطالب المتظاهرين؛ وحتى نخرج فكر الامام الحسين من دائرة الألوهية وبلورته بشكل واقعي معاصر في حياتنا اليومية لمعالجة واقعنا السياسي العراقي، لنبعث من خلاله رسالة إلى العالم بأن الامام الحسين حاضر في واقعنا ومستقبلنا بشكل واقعي وليس مثالي أو روحي فقط، من خلال الاستثمار الحقيقي للفكر السياسي للأمام الحسين (ع) في تصحيح مسار العملية السياسية في العراق، ومعالجة الثقافات السلبية التي استشرت في منظومة الدولة العراقية بكل مفاصلها. وإلا ستواجه الحكومة والقوى السياسية بفكر حسيني مضاد من قبل المتظاهرين "الفكر الحسيني الثوري" المطالب بتنفيذ الإصلاح.
التعليقات
تغيير الرمز