آفاق النهوض بعمل مراكز الأبحاث في العراق

تعد مراكز الابحاث خزائن الفكر وينابيع التخطيط الاستراتيجي في مطلع الالفية الميلادية الثالثة ، حتى يمكن القول انه لا وجود لنهضة حقيقية لأي بلد من البلدان بدون ايلاء هذه المراكز حقها من التقدير والاحترام لدورها المعرفي والتنموي ، كما لا يمكن الطمع بالاستفادة من مخرجاتها الحقيقية بدون توفر الحد الضروري من المستلزمات الاتية : 1- رؤية استراتيجية واضحة للهدف الذي من اجله تأسس المركز البحثي ، والوسائل والآليات العملية لبلوغ هذا الهدف . 2- توفر الدعم الرسمي على مستوى القيادات السياسية والإدارية المتنفذة ، والاجتماعي على مستوى القوى الاجتماعية المؤثرة وجماعات المصالح والمؤسسات الرسمية والأفراد لنشاطات مراكز الأبحاث ، لتشجيعها على مواصلة عملها والارتقاء بمستواه ، وإيجاد البيئة المناسبة لتسويق منتجها المعرفي من خلال المساهمة في حل مشاكل وأزمات أنية ، أو مواجهة تحديات معينة ، وإعطاء سيناريوهات افتراضية لما يمكن أن تكون عليه صورة المستقبل .. 3- توفر المستلزمات البشرية الإدارية والعلمية المؤمنة بهدف المركز. 4- تأمين المستلزمات المادية اللازمة لتمويل نشاطات المركز الإدارية والعلمية. 5- خلق نوع من الاحتكاك بين المراكز العلمية في دولنا النامية ومنها العراق ، ونظيرتها في الدول المتقدمة لمعرفة المستوى الذي وصلت إليه هذه المراكز في تلك البلدان ، والاطلاع عن قرب على آليات عملها التي تجعلها مؤثرة تأثيرا حقيقيا على سياسات بلدانها ، من خلال زيادة الزيارات المتبادلة ، والدورات التدريبية ، والنشاطات البحثية المشتركة ، والتوأمة المتبادلة ليبدأ العمل البحثي في مراكز أبحاثنا من حيث انتهى الآخرون ، لا أن يبدأ بدايات خاطئة متعثرة تعتمد سياسة التجربة والخطأ . 6- إخراج هذه المراكز من دائرة التسييس والصراع السياسي ، بجعلها مؤسسات محايدة في عملها ، موضوعية في منتجها يحتكم إليها صناع القرار والقوى السياسية والاجتماعية والمؤسسات الاقتصادية والمدنية الأخرى للحصول على الحلول المناسبة ، والاقتراحات البديلة ، والرؤى الأقرب إلى الصحة لزيادة قدرتهم التنافسية ، وتلافي الأخطاء القاتلة ، وتصويب الثغرات والعيوب .. ولا يعني هذا عدم انتماء بعض هذه المراكز إلى جهة أو مؤسسة ما ، لكن يجب أن لا يكون هذا الانتماء على حساب الموضوعية والدقة والكفاءة .. أخطاء شائعة عند تأسيس مراكز الأبحاث في العراق اليوم من الأخطاء الشائعة عند تأسيس مركز الأبحاث في كثير من الأحيان هي ما يلي : 1- نظر الجهة المؤسسة او الممولة لمركز الابحاث على ان عمله نظير لعمل وسائل الاعلام في الترويج لأفكار المؤسسين او الممولين ، وليس النظر له على انه مركز تفكير للجهة المؤسسة قد يدخلها احيانا بعصف ذهني حاد يتجاوز منطلقاتها الفكرية الاولية ويؤسس لمنطلقات جديدة تقتضي تغيير انماط التفكير والسلوك. 2- عد مركز الابحاث على انه مؤسسة مجتمع مدني لا يوجد ما يميزها عن اية مؤسسة اخرى مما يجعل التعامل معها مماثل للتعامل مع تلك المنظمات ذات الأبعاد الإنسانية أو الخيرية .. في حين قد تمارس مراكز الابحاث وسائل جراحية مؤلمة للوصول الى الحقيقة قد يخيل للناظر غير المجرب انها باردة وجافة وغير إنسانية ، فمراكز الأبحاث أقرب إلى المختبرات العلمية منها إلى غيرها من المؤسسات . 3- تأسيس مؤسسات تحمل صفة مراكز ابحاث ( دولية ، وطنية ، استراتيجية ، اقتصادية .. ) من جهات ترغب ان يكون لهذه المؤسسات دور مراكز الابحاث بدون توفير المستلزمات الضرورية المذكورة آنفا. 4- تورط الادارات المشرفة على بعض مراكز الابحاث بنشاطات واعمال لا تنسجم مع طبيعة الدور المطلوب منها نتيجة كون العنصر البشري المشرف على هذه المركز غير مدرك لدوره او ليس بالكفاءة المطلوبة. 5- عدم امتلاك رؤية استراتيجية تؤطر عمل المركز وترسم ملامح السياسة العامة التي يجب ان ينتهجها . متطلبات نجاح مراكز الأبحاث في العراق للنجاح مقدمات ، والمقدمات الضرورية لإعادة الحياة بقوة وزخم لمركز الأبحاث في العراق هي : 1- اتخاذ الجهات الرسمية وغير الرسمية الداعمة أو الراعية لمراكز الأبحاث في العراق قرارا مصيريا واضحا وعلى أعلى المستويات في ان ما ترغب فيه هو تأسيس مراكز أبحاث حقيقية وليس مجرد هياكل هشة لمراكز تفتقر إلى ابسط متطلباتها الضرورية . 2- يترافق مع تقدم ضرورة رسم إستراتيجية واضحة للغاية التي من أجلها يتم تأسيس مراكز الأبحاث وعلى أعلى المستويات ، ويمكن أن يكون لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية دور كبير ومؤثر في رسم هذه الإستراتيجية. 3- إدراك أن المراكز البحثية ليست صرحا يقام على التجربة والخطأ ، بل هي عقل مفكر قد يتوافق احيانا مع منطلقاتنا الفكرية ، واحيان اخرى قد يتقاطع معها بشدة ، وفي كلا الحالين يجب احترام دوره والسير على هدى استشاراته ، وتوفير الحرية اللازمة لتنجز المراكز بموضوعية وحياد . 4- توفير التمويل المالي المستقر والدعم المؤسسي اللازم لنجاح المراكز في تحقيق أهدافها ، على أن يكون هذا التمويل والدعم كافيا لتأمين المستلزمات المادية والبشرية التي تحتاج إليها المراكز البحثية ، وتمويل نشاطاتها البحثية التي تمثل محور عملها واهتمامها . إن الأخذ بهذه الملاحظات ، والتي تفيد في النهوض بعمل مراكز الابحاث أي كانت تسميتها ، سيضع الأقدام على بداية الطريق الصحيح للسير باتجاه تأسيس مراكز بحثية فعالة تأخذ دورها المرموق وطنيا وإقليميا ودوليا ، لبناء عراق آمن ومستقر وقوي يوفر الرفاه والعزة لشعبه ، ويكتسب التقدير والاحترام من أعدائه وأصدقائه على السواء ..
التعليقات
تغيير الرمز