الكاظمي بين واشنطن والبصرة

تأتي زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في إطار جولته الخارجية التي بدأها من طهران مروراً بالرياض وذهاباً لواشنطن، ومن المقرر أن يزور الأردن قبل رجوعهِ إلى بغداد. وتمثل هذه الزيارة خطوة مهمة وكبيرة على مستوى العلاقات الخارجية العراقية، اذا ما وظفت بشكل صحيح بجوانبها المختلفة، لاسيما السياسية والاقتصادية ومناقشة الملف الأمني وطبيعة الوجود الأمريكي في العراق، في ضوء ما يحدث في المنطقة، وبما يتناسب مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والرغبة العراقية، وبهدف استكمال المباحثات العراقية – الأمريكية، التي جرت جولتها الأولى في العاشر من حزيران الماضي، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين الجانبين بما عرف بالحوار الاستراتيجي. وتأتي هذه الزيارة في ظرف حساس جداً يمر فيه العراق، فالحراك الشعبي ما يزال قائم، ومعارضو السيد الكاظمي غير راغبين في زيارته إلى واشنطن، ونشاط الجماعات المسلحة ومظاهر اللادُولة، ما تزال تربك الوضع الأمني والسياسي، ولاسيما في ظل موجة الاغتيالات الاخيرة التي ضربت مجموعة من الناشطين والمدنيين في محافظتي البصرة وبغداد بالتزامن مع هذه الزيارة، فضلاً عن التحديات الاقتصادية والأمنية التي يشهدها البلد. فهل هناك ضرورة وحاجة ملحة لزيارة السيد الكاظمي إلى واشنطن، ام أنها تأتي في إطار الأعراف الدبلوماسية، والروتين العراقي السابق الذي مارسه كل رؤساء وزراء العراق السابقين بعد عام 2003؟

هذا المقال لا يتطرف إلى تفاصيل الزيارة وما عُقد من تفاهمات واتفاقيات بين الجانبين، وإنما يسلط الضوء على العلاقة بين زيارة السيد رئيس الوزراء إلى واشنطن، وما تزامن معها من تهديد أمنى خطير في محافظة البصرة.

من الصعب الحكم على نوايا السيد الكاظمي واهداف الزيارة غير المعلنة، لكن ربما نحلل أو نفسر الاشياء طبقاً لمجريات الحدث والتوقيت. فاذا ما اخذنا توقيت الزيارة، سنجده امر طبيعي ويأتي ضمن الجولة الإقليمية والدولية لكل رؤساء وزراء العراق السابقين بعد تكليفهم برئاسة الوزراء، أو يأتي ضمن العرف السياسي العراقي الذي رسمه الرؤساء السابقين، فحينما يزور رئيس وزراء العراق عاصمة إقليمية، عليه أن يستكملها في عاصمة مضادة لتوجهات تلك العاصمة، أي بمعنى حينما يزور طهران لابد أن يزور السعودية أو بالعكس وحينما يزور واشنطن لابد أن يزور طهران قبل أو بعد، وكأن هناك سلطة مفروضة على رؤساء وزراء العراق بعد عام 2003 تتمثل في ارضاء جميع الاطراف الإقليمية والدولية، بغض النظر عن المصلحة الوطنية العراقية. بموازاة ذلك، نجد أنّ اعداء أو خصوم السيد الكاظمي (ذات التوجهات السياسية والايديولوجية) غير راغبين بالزيارة، إذ يرون بأن الأخير رجل امريكا في العراق، ولا يمكنه ان يملي الشروط التي يرغب بها العراقيون أو تلك التوجهات التي تؤمن بها بعض القوى السياسية، على الرئيس الأمريكي، ولا يمكن أن يعبر عن الإرادة او المصلحة العراقية هناك، ولاسيما فيما يتعلق بجدولة الانسحاب الأمريكي. إذ يعتقدون بأنّ الأمريكان سيبرمون الاتفاقيات التي يرغبون بها مع الجانب العراقي، بعيداً عن مبدأ القبول والرفض، ولم تتم مناقشة الوجود او الانسحاب الأمريكي من العراق بشكل جدي، بل ويتهمونه، بانه سيحاول أن يُعقد اتفاقيات أخرى مع الطرف الأمريكي، من شأنها أن تعّقد الأزمة وتؤّخر الانسحاب الأمريكي من العراق؛ لذلك فما حدث في البصرة وبغداد أو ما يحدث من ضرب للمنطقة الخضراء والقواعد العسكرية بصواريخ الكاتيوشا، ربما هي رسائل واضحة، تؤكد فرضية ومنطق القوة المسلحة ومظاهر اللادولة، التي تريد بعض الاطراف أن تختزلها تحت غطاء الدولة وبحجج أخرى، الهدف منها، الرد على زيارة الكاظمي إلى واشنطن، وايصال رسالة تحدي إلى الولايات المتحدة، سواء لنفوذها العسكري في العراق، ام لوجودها المدني من خلال شركاتها الاستثمارية، ولاسيما أنّ زيارة السيد الكاظمي تكللت بعقد عدة اتفاقيات استثمارية. 

هناك رأي في العراق (سياسي وشعبي)، يرى بان من المهم مناقشة الوجود الأمريكي في العراق، وأنّ أهم الملفات التي من المفترض أنّ تُبحث بشكل نهائي بين بغداد وواشنطن هي حسم نوع العلاقة بين الطرفين، على الرغم من حاجة العراق الكبيرة إلى الولايات المتحدة، ولاسيما في الوقت الراهن، وفقاً للاتفاقيات والخطط المشتركة، وخلق علاقة متوازنة بين الدولتين تحترم الاتفاقات الثنائية المعقودة بين الجانبين، إلا أن هذا الرأي "قد يستغفل عقله" وكانه يخالف واقع العراق بمختلف جوانبه، ومجريات الأمور فيه، ولاسيما في ظل الصراع الأمريكي – الإيراني، ومستوى نفوذ الأخير في العراق وحجم التحديات التي تواجه العملية السياسية أو الديموقراطية والمصالح الأمريكية في العراق، وشيوع ظاهرة ومنطق اللادُولة. فالمشكلة هنا، هي مشكلة ثنائية مركبة بين أدوار متناقضة ومصالح مختلفة وبيئة خصبة جداً، في ظل وجود تعددية لصنّاعة القرار في العراق وعدم ادراكه بأن مشكلة العراق هي داخلية أكثر مما هي خارجية، وأنّ  قوته (السياسية، والأمنية، ونشاطه الاقتصادي والتجاري) في المنطقة، هي في الاساس شأن داخلي، تتعلق بصلابة العملية السياسية واستقلالية القوى والاحزاب السياسية التي تُديرها؛ وذلك من خلال وضوح منهج بناء الدولة وفلسفتها، ورأب التَصَّدع الحاصل في العملية السياسية وسد الفجوة العميقة بين السلطة والمجتمع؛ لأن الوجود الأمريكي في العراق، يعتمد على هشاشة الوضع فيه وضعف العملية السياسية وحجم ومستوى التدخل الإيراني، سواء من خلال القنوات السياسية الرسمية، أو من خلال الجماعات العسكرية؛ لذا فأن نقطة الشروع في أخراج القوات الأمريكية، ورسم العلاقة الواضحة مع واشنطن، تحتاج إلى إرادة داخلية شاملة وقوية، للتخلص من تبعات المراحل السابقة، لاسيما فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد بشكل فعلي، وبالشكل الذي يكون عامل استقطاب للشركات العالمية في العراق، والتخلص من مظاهر اللادولة، التي تزّين المشهد السياسي في العراق، وأنّ الاصرار على اضعاف الدولة، واهانة مؤسساتها الأمنية والعسكرية بنشاط موازي لها، سيطيل من امد الازمة، وتواجد القوات الأمريكية، وسيزيد من تعقيد العملية الديموقراطية في العراق. 

بالمجمل، يمكننا القول، إنّ اللجوء إلى سياسة الترهيب والاتهام وقتل الناشطين واستهدافهم، لا يمكنها أن تعطي رسائل إيجابية للصراع الحاصل بين واشنطن وطهران، او للعالم، حتى للجهات المستفيدة من ذلك، وأنّ اللجوء إلى الورقة الأمنية لأسقاط أو تسقيط المتنافسين ليس بمصلحة العراق كدولة ونظام سياسي وعملية سياسية فتية، ولا بمصلحة الشيعة، سواء شيعة السلطة، أو الشيعة كـ "مذهب" بشكل عام. وأنّ الطريق الأمثل لخروج القوات الأمريكية هو ما ذكرناه انفاً، فضلاً عن، المساهمة في تعضيد منطق الدولة والعملية السياسية والديمقراطية، وأنهاء مظاهر اللادُولة، ورأب الصداع الحاصل في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن.

التعليقات
تغيير الرمز