الحكومة العراقية وانفاذ القانون: قراءات مختلفة واحتمالات مفتوحة

في خطوة استباقية، كما وصفتها الحكومة العراقية، نفذ جهاز مكافحة الارهاب عملية امنية خاطفة فجر يوم الجمعة 26 حزيران 2020 جنوب بغداد اسفرت عن اعتقال عدد من المتهمين بالتخطيط لشن ضربات صاروخية ضد اهداف في العاصمة بغداد تمثل المصالح العراقية والاميركية، بناءا على معلومات استخبارية ومذكرات القاء قبض قضائية.

تزايد الضربات الصاروخية التي استهدفت المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي وقاعدة التاجي العسكرية خلال الاشهر السابقة وبشكل غير مسبوق بعد عملية اغتيال قاسم سليماني وجمال جعفر (ابو مهدي المهندس) مطلع كانون الثاني الماضي. هذا التزايد جاء بسبب التماهي الكبير الذي مارسته حكومة عادل عبد المهدي مع السلاح خارج الدولة والتي انجرت الى فخ الانفعالات الجزئية وربطت مصالح البلاد الاستراتيجية بأرادات جزيئية غير دولتية. وقد اضافت تلك الضربات المتكررة تحديا امام كل من أراد تشكيل حكومة حتى قبل السيد مصطفى الكاظمي، وظهر ذلك في الخطابات والتصريحات الاعلامية للسيد محمد توفيق علاوي والسيد عدنان الزرفي، واكدوا على ان الاولوية في برامجهم الحكومية هي حصر السلاح بيد الدولة، حتى انهم ايدوا خطوة الكاظمي في ضرورة حصر السلاح بيد الدولة عبر تغريدات في تويتر وتصريحات اعلامية.

المواقف المحلية جاءت متباينة من العملية، فالأوساط الشعبية رحبت الاوساط الشعبية بهذه الخطوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كأجراء بأتجاه فرض القانون، وتعزيز سلطة الدولة، والقضاء على السلاح المنفلت، وان الحكومة الحالية هي اول حكومة تقوم بهذا الاجراء بعد ما يقارب من 17 سنة لم تتمكن الحكومات السابقة من تحقيق هذا الاجراء، لا بل ان حكومة عادل عبد المهدي اكثر الحكومات التي مكنت المليشيات من مؤسسات الدولة وقدراتها من آليات وسلاح وموارد مالية. 

لذلك من الطبيعي ان تجد الاطراف المتضررة – كما وصفها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي – ان الاجراء هو استهداف لها، محاولةً التشويش الاعلامي والتظليل الدعائي على انها استهداف للحشد الشعبي وانكار لتضحياته في محاربة داعش خلال السنوات السابقة، وان الاجراء جاء لخلق اقتتال بين المؤسسات الامنية العراقية، فضلا عن انها اتهمت الحكومة العراقية بأنها قامت بهذا الاجراء بتوجيه ومساعدة اميركية. وفي الوقت الذي اكدت فيه الحكومة العراقية على لسان الناطق بأسمها، والمتحدث بأسم القائد العام للقوات المسلحة: (بأن العملية كانت عراقية وبجهد عراقي من الالف الى الياء)، أكد التحالف الدولي في بيان له يوم الاحد 28حزيران (ان قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية غير مسؤولة عن عملية القاء القبض التي حصلت لخلايا الكاتيوشا ببغداد قبل يومين، والحكومة العراقية هي من تصدر القرارات فقط، ولا دخل للقوات الأميركية أو قوات التحالف بذلك). 

مواقف قادة الفصائل و"الاحزاب" ووسائلهم الاعلامية، المعارضة لحصر السلاح بيد الدولة، فشلت في خلط الاوراق، والتظليل الدعائي للرأي العام العراقي. وهو ما دفعها الى التهديد بقتل رئيس مجلس الوزراء كما جاء على لسان ابو علي العسكري القيادي في مليشيا حزب الله العراقي، من جهة، ودعوة رئيس الحكومة الى لتغاضي عن الضربات الصاروخية كما فعلت الحكومات السابقة، والتقرب من المتظاهرين كما جاء على لسان قيس الخزعلي زعيم مليشيا عصائب اهل الحق، (واصفا اياهم بالمتظاهرين) بعد سيل من الاتهامات ضدهم خلال الاشهر السابقة. ولم ترد الحكومة على هذه المواقف والبيانات والمعارضة لنهجها.

ردة فعل الفصائل المسلحة الرافضة لعملية الاعتقال انجرت الى فخ وهو اظهار نفسها بصورة المتحدي الذي يسخر قدرات الدولة وامكانياتها لرفض سلطة الدولة والقانون امام الراي العام الداخلي والخارجي في وقت ارهقت دعائيا وهي تحاول اقناع من في الداخل والخارج انها ضمن هيئة الحشد الشعبي وتخضع للقيادة العامة للقوات المسلحة. كما ان ردة الفعل هذه اكدت صواب توجه الفصائل التابعة لمرجعية السيد علي السيستاني بفك ارتباطها بهيئة الحشد الشعبي واتباعها القائد العام للقوات المسلحة. وكل ذلك يجعلها موضوع اتهام مباشر من قبل الفعاليات السياسية الدينية والثقافية والاجتماعية.

هذه المواقف تخبرنا ان حكومة السيد الكاظمي امام احتمالات مفتوحة، اهمها أحدها هو دفع أحزاب السلطة جماهيرها للخروج ضد الحكومة بذريعة الفشل في تجاوز الازمة الاقتصادية، وجائحة المستجد، ثم تحشيد نيابي للاستجابة لمطالب الشارع وسحب الثقة عن الحكومة. كما لا يغيب عنا احتمال المواجهة المسلحة رغم ان الفصائل والجهات الرافضة لفرض القانون لا يمكنها استهداف القوات الامنية لأنه حتما ستكون موضع اتهام وفق قانون مكافحة الارهاب. 

مطلوب من السيد الكاظمي ان يضع امامه كافة الاحتمالات ويتحرك على وفقها. وارى ان التحرك الاهم هو كسب تأييد الجمهور العراقي والرأي العام الوطني وهو الغالب على جمهور احزاب السلطة عبر:

- مواجهة استباقية لمن يحاول الاخلال بالأمن العام. 

- مهاجمة حاسمة للفاسدين واظهار فسادهم للرأي العام، والتنسيق مع القضاء وتوفير الحماة اللازمة لمؤسساته لكشف ملفات الفساد كافة.

- دعم قطاع الصحة، وترأس اللجنة العليا للصحة والسلامة وتجاوز المعوقات ميدانيا وبإجراءات حازمة.

سياسيا، 

- هناك حاجة لتحييد كتل نيابية (تيار الحكمة، تحالف النصر، اتحاد القوى، حركة التغيير). 

- التواصل مع التحالف الكردستاني والتأكيد بان الحكومة الاتحادية تدرس العروض المقدمة من قبل حكومة الاقليم بشأن القضايا الخلافية بين بغداد واربيل ولابد من الحوار المباشر بشأنها.

التعليقات
تغيير الرمز