مستقبل العملية السياسية في ظل الاشكاليات والفرص المتاحة إمام حكومة السيد الكاظمي؟

لا يخفى على الجميع بأن حكومة السيد الكاظمي، هي حكومة أزمات حقيقية، وربما تكون فرص نجاحها ضئيلة جداً، مقارنة بحجم التحديات والاشكاليات القائمة. وعلى الرغم من الدعم التي لاقته من كافة القوى السياسية العراقية، فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي، إلا أنها قد تكون عرضة للفشل والانهيار في أية لحظة، شأنها شأن حكومة السيد المالكي في ولايته الثانية أو حكومة السيد عادل عبد المهدي. ولاسيما أن هناك الكثير من الاشكاليات، التي من شانها أن تعيق عملها على كافة المستويات، أو تؤدي إلى تفاقم الأزمات وانسداد افق الحلول السياسية، ومن أبرزها: 

اولاً: اشكالية الشرعية الشعبية

لا تختلف الحكومة الحالية من ناحية شرعيتها الشعبية عن الحكومة السابقة، فرئيس الوزراء المكلف وكابنته الوزارية، جاءت بهم بعض القوى السياسية خلافاً لإرادة المتظاهرين، وهي نفس القوى التي جاءت برئيس الوزراء السابق السيد عادل عبد المهدي؛ وهذا ربما يجعلها عرضة لفرضية الفشل وغياب الدعم الشعبي الساند لها، ولاسيما في ظل تصاعد الحراك الشعبي لانتفاضة تشرين، مع اختلاف الفارق بالتأكيد، فـ "عبد المهدي" جاءت به القوى الشيعية بعد الانتخابات، اما الكاظمي جاءت به القوى السياسية نتيجة للحراك الشعبي لانتفاضة تشرين. 

ثانياً: إشكالية الشرعية السياسية

ربما لا تختلف الحكومة الحالية عن الحكومة السابقة، فكلاهما جاءا باختيار بعض القوى السياسية الشيعية مع توافق القوى الأخرى، بعيداً عن مفهوم الكتلة النيابية الأكبر، وربما تتنصل كل تلك القوى عن دعمها لحكومة السيد الكاظمي إذا ما فشلت أو حصل طارئ ما في الفترة المقبلة، كأزمة قطع رواتب المتقاعدين والموظفين على سبيل المثال أو تصاعد الحراك الشعبي على مستوى العاصمة والمحافظات المنتفضة، وتجدد الاشتباكات بين المتظاهرين والقوات الأمنية. 

ثالثاً: اشكالية عمر الحكومة

إن حكومة السيد الكاظمي، ستكون إمام اشكالية حقيقية فيما يتعلق بعمرها بشكل عام، وهناك الكثير من الاسئلة، التي تطرح نفسها طبقاً لهذه الاشكالية، منها على سبيل المثال: هل تكون حكومة السيد الكاظمي حكومة موقتة تعمل على تلبية مطالب المتظاهرين وتنتهي بأجراء الانتخابات المبكرة، أم ستكون حكومة مكملة للحكومة السابقة حتى نهاية دورتها الانتخابية عام 2022، وإذا كانت مؤقتة هل يسعفها الوقت لتحقيق مطالب المتظاهرين ومواجهة الازمات المتفاقمة، أم ستفشل في ذلك، وتكون هدفاً لحركة الاحتجاجات القادمة...؟ وهكذا بالنسبة لباقي الاستحقاقات الوطنية... 

رابعاً: إشكالية مواقف القوى السياسية 

هناك رفض مبطن لحكومة السيد الكاظمي وستظهر بوادرهُ بمرور الوقت، وقد تتضح بشكل أكبر مع تزايد حدة الازمات، ولاسيما أن بعض القوى اعلنت عن موقفها مبكراً وبشكل صريح، بانها غير متبنية لحكومة السيد الكاظمي، ورفضت التصويت لها داخل قبة البرلمان، مثل ائتلاف دولة القانون والقائمة الوطنية، وقد تعترض على اداءها في الايام القادمة؛ انسجاماً مع بعض المواقف الشعبية، أو احتجاجاً على عدم تلبية رغباتها السياسية، فضلاً عن مواقف بعض القوى السياسية التي قد تغّير مواقفها مع تَغّير مصالحها السياسية والاقتصادية. 

خامساً: اشكالية العلاقة بين بغداد وأربيل

تعد هذه الاشكالية من أصعب واعقد الاشكاليات التي مرت بها كل الحكومات العراقية السابقة بعد عام 2003، وقد تكون الحكومة الحالية احدى ضحايا هذه الاشكالية، ولاسيما إن القوى السياسية الكردية فرضت رؤيتها السياسية ومطامعها الاقتصادية على كل الحكومات السابقة، وما تزال متمسكة بتلك المطامع والمكتسبات، انطلاقاً من سياسة فرض الامر الواقع والتهديد بتأزيم الأزمات. فحكومة الإقليم غير راغبة بحلحلة المشاكل مع الحكومة الاتحادية، وكثيراً ما تعتاش على تلك الازمات. 

سادساً: اشكالية خروج القوات الأجنبية من العراق

على الرغم من أن قرار البرلمان العراقي الذي تم التصويت في 5/1/2020، غير ملزم للحكومة العراقية، وهو بمثابة توصية وليس قانون ملزم للحكومة الحالية، إلا أن هذا الملف سيكون من الملفات الشائكة والمعقدة إمام حكومة الكاظمي، ولاسيما مع انطلاق الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، والاسئلة الكثيرة التي تكتنف هذا الحوار ، ومنها على سبيل المثال: هل هناك بالفعل مفاوض عراقي قادر على التفاوض الحقيقي مع الجانب الأمريكي بخصوص هذا الملف، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية العراقية، أم أن الملف محسوم سلفاً بين الولايات المتحدة والاقطاب المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، وهل يخضع هذا الملف لإرادة وطنية حقيقية أم لأجندة إقليمية ورغبات سياسية وفواعل غير حكومية...؟ بهذا الاتجاه، ربما تدفع بعض القوى السياسية، الحكومة الحالية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أصرارها على خروج القوات الأمريكية بطريقة غير لائقة، أو ربما يكون هذا الدفع او الرفض احادي الجانب، أي بمعنى أن يقتصر على القوى الشيعية دون القوى السنية والكردية؛ وهذا قد يتسبب بتداعيات خطيرة جداً.  

فرص الحكومة المؤقتة

على الرغم من التحديات العديدة والإشكاليات المعقدة، التي تعترض طريق الحكومة الحالية، إلا أن بإمكانها أن تحّول اغلب تلك التحديات والأزمات إلى فرص حقيقية لإصلاح العملية السياسية والنظام السياسي العراقي، ولاسيما أن البيئة السياسية اصبحت أكثر تقبلاً للإصلاح من ذي قبل؛ بسبب الحراك الجماهيري والازمات الراهنة، فضلاً عن ظروف البلد والعالم بشكل عام.  فهل يستغل الكاظمي تلك المساحات ام سيكون ضحية مرة أخرى لمطالب واجندة القوى والاحزاب السياسية؟

مستقبل العملية السياسية في ظل سيناريوهات فشل ونجاح الحكومة الحالية 

هناك شك كبير يراود الكثير من المتخصصين حول مستقبل النظام السياسي العراقي ومستقبل العملية السياسية بشكل عام، أو مستقبل العملية الديمقراطية في العراق؛ وذلك بسبب التحديات الكبيرة التي تواجهها "الديمقراطية العراقية" على كافة المستويات (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية والصحية)، فضلاً عن تحديات ثقافة الاحزاب والقوى السياسية، والتحديات الخارجية. هذه الفترة أو مرحلة حكومة السيد الكاظمي، ربما تضع المحددات الرئيسة لمستقبل العملية السياسية وفقاً لفرضيتين "النجاح والفشل"؛ لأن الوضع الحالي أو الحالة السائدة منذ 17 عام، لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، ولاسيما في ظل هذا الحراك والوعي الجماهيري الرافض لهذا السلوك. وعليه ربما نكون إمام بعض السيناريوهات:

سيناريو النجاح

 نجاح حكومة السيد الكاظمي في تحقيق المطالب والاستحقاقات الوطنية المطلوبة منها على صعيد تلبية مطالب المتظاهرين، وتحقيق الاستقرار السياسي على الصعيد الوطني ومحاربة ظواهر الفساد وعدم الاستقرار بشكل عام، ولو بشكل جزئي. قد تكون البداية الحقيقية في بذرة إصلاح العملية السياسية وتصحيح مسار الديمقراطية العراقية، ومعالجة أداء النظام السياسي الحالي.

سيناريو الفشل 

إن فشل الحكومة الحالية في تنفيذ الإصلاحات التي خرج من أجلها الشعب، ربما تؤدي بنا إلى سيناريوهات مرعبة، قد تترتب عليه نتائج وخيمة على كافة المستويات، وربما يكون سيناريو التقسيم الطائفي للعراق أحد أبرز ملامح ذلك الفشل. ولاسيما في حال استمرت الحكومة على تجاهل مطالب المتظاهرين في تحقيق الإصلاح المنشود والكشف عن قتلتهم؛ لأن تجاهل مطالبهم من شانه أن يؤجج الوضع أكثر مما ينبغي، وربما يقود البلاد إلى خيار المواجهة المسلحة. فهل تتجاوز حكومة السيد الكاظمي والقوى السياسية "مجتمعة" هذا المرحلة بنجاح أم سنكون إمام سناريوهات أكثر خطورة في المرحلة المقبلة؟ 

التعليقات
تغيير الرمز