الحكومة العراقية الجديدة والعلاقات مع إيران: نحو إطار ضامن للتكافؤ والمصالح المشتركة

حظيت الحكومة المؤقتة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي على إطار واسع من التأييد والمساندة من منظمات دولية وحكومات دول عدة في المنطقة وخارجها، وهي بذلك لا تختلف عن الحكومات السابقة بعد 2003، ويبقى الزمن هو الكفيل بإظهار الاختلاف. فقد تباينت الحكومات السابقة في درجة تعاطيها ومع حجم الدعم فيما يتعلق بخدمة المصالح الوطنية العراقية والاسباب عديدة ترتبط بكفاءة المتصدين للسياسة الخارجية للعراق وعلاقاته الدولية وبالتالي عدم توافرهم على قراءة موضوعية للبيئة الاقليمية والدولية تارة، وخضوع المؤسسات القطاعية المختصة لتأثير القوى والاحزاب المؤيدة لسياسات دول اقليمية وغير اقليمية تارة اخرى. 

فيما يرتبط بالعلاقات مع إيران، لا يختلف الموقف الرسمي للجمهورية الاسلامية في تأييدها ومباركتها للحكومة الجديدة عن المواقف السابقة لها تجاه الحكومات العراقية والتي كان لها التأثير الابرز في تشكيلها. على بالرغم من الحديث عن ان الحكومة العراقية جاءت مخالفة للطموحات الايرانية، الا اننا لاحظنا موقفا رسميا ايرانيا مؤيدا للحكومة العراقية الجديدة. فبعد منح الثقة لحكومة السيد مصطفى الكاظمي، سارع رئيس الجمهورية الاسلامية حسن روحاني لتهنئة الكاظمي لمنحه الثقة رئيسا جديدا للحكومة في العراق، مؤكدا تطلعه الى تنمية العلاقات بين بغداد وطهران أكثر من ذي قبل. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) ايضا، عن روحاني تأكيده بأن طهران ستقف كما كانت على الدوام إلى جانب العراق حكومة وشعبا وبما يصب في مصالح شعبي البلدين، وان إيران تولي أهمية كبيرة لاستقلال العراق واستقراره السياسي وسيادته الوطنية ووحدة أراضيه.

كما بارك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، للكاظمي وحكومته ومجلس النواب (البرلمان) والشعب العراقي، النجاح في تشكيل حكومة جديدة. وأضاف ظريف في تغريدة على تويتر، أن بلاده تقف دائما مع الشعب العراقي وخياره في تحديد من يدير البلاد. 

ومع تلك العبارات التي تتشابه في مضمونها ورسالتها مع عبارات التواصل والعلاقات بين دول متكافئة تعتمد مبدأ تعزيز المصالح المشتركة، الا اننا لاحظنا موقفا اخر غير رسمي جسدته بعض القوى المؤيدة للحرس الثوري على الساحة العراقية في رفضها للكاظمي متهمةً اياه بأن المسبب في مقتل القائد العسكري الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي جمال جعفر المهندس (ابو مهدي) في بغداد بغارة اميركية في كانون الثاني الماضي. 

تفسير ذلك واضح ومعروف وهو ان إيران المؤسسات والدولة هي غيرها إيران الثورة والايديولوجيا. فالأخيرة يتزعمها المرشد الاعلى للثورة الاسلامية (علي خامنائي) واجهزتها التنفيذية المتمثلة بحرس الثورة الاسلامية (الحرس الثوري)، والتي يعلوا صوتها وقرارها في القرار السياسي والامني داخليا وخارجيا على صوت إيران الدولة (المؤسسات) والتي يتزعمها رئيس الجمهورية وكابينته الوزارية. فوفقا للدستور الايراني لعام 1989 يتمتع المرشد الاعلى بصلاحيات واسعة في القرار السياسي الايراني وبالتالي هو صانع القرار ومتخذه. وعادة ما تتخذ إيران الثورة والايديولوجيا اجراءات على مستوى السياسية الخارجية حتى من دون علم رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية كما حصل في دعوة الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران الذي اثار امتعاض ظريف ودفعه الى تقديم استقالته التي تراجع عنها فيما بعد. فضلا عن ذلك، فان إيران الدولة والمؤسسات خاضعة لإيران الثورة، ولذلك تبرز مواقف وخطابات رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومسؤولي النظام متسقة مع توجه إيران الثورة كما هو الحال مع المستجدات الامنية والسياسية في العراق على سبيل المثال لا الحصر. 

العلاقات العراقية -الايرانية بعد 2003، ما هو النتاج؟

العراق وإيران بلدان متجاوران وبحدود تصل الى أكثر من 1300 كم متر، وتربطهما روابط مشتركة كثيرة تاريخية ودينية واقتصادية وهذا الامر موضع إدراك ونظر لدى صانع القرار العراقي الذي يسعى الى علاقات ايجابية قائمة على الاحترام المتبادل وتعزيز المصالح المشتركة وهذا ما يفصح عنه الموقف الرسمي للحكومة العراقية بعد 2003. وان العراق يدير علاقاته مع الجمهورية الاسلامية عبر القنوات الدبلوماسية ووفق الاطر المنظمة للعلاقات بين أي دولتين جارتين.  

على الجانب الايراني، نجد ان ملف ادارة العلاقات مع العراق جرى هو من مهام إيران الثورة والايديولوجيا وبالتحديد هو من مهام الحرس الثوري، وليس من مهام إيران الدولة والمؤسسات ووزارة الخارجية. ولذلك نلحظ ان اغلب السفراء الايرانيين لدى العراق هم من قادة الحرس الثوري. كما ان إيران تدير اغلب جوانب علاقاتها مع العراق عبر قوى وفاعلين غير حكوميين ولكن لهم تأثيرهم الامني والاقتصادي وحتى الثقافي، وبعد انتخابات 2018 أصبح لهم تأثيرهم السياسي عبر قوى نيابية في مجلس النواب. 

هذا الإطار من العمل من جانب إيران الثورة، جعل إيران الدولة (المؤسسات) في مواقف محرجة كثيرة فيما يخص ادارة العلاقات مع العراق وايضا فيما يخص ادارة العلاقات مع الولايات المتحدة والتي لها علاقات استراتيجية مع العراق. ففي الوقت الذي تتوافر فيه السياسة الخارجية الاميركية على هيكل واضح في صنع السياسة الخارجية وادارة العلاقات الدولية، نلاحظ ان السياسة الخارجية الايرانية الرسمية هي اسيرة مبادئ دستورية تشتمل على مناهضة مع ما تسميه الدعاية (البربغندا) الايرانية "قوى الاستكبار العالمي" ونصرة المسلمين والمستضعفين حول العالم" والتي هي من مهام الحرس الثوري الذي لا تنحصر مهامه على الداخل الايراني وحماية مكتسبات الثورة الاسلامية، بل تعداها لأدوار اقليمية ودولية سياسية وامنية واقتصادية وثقافية. وبذلك يعد العراق – بالنسبة لإيران -ساحة من ساحات المواجهة ضد "قوى الاستكبار العالمي" وهي الولايات المتحدة واصدقائها الغربيين وحلفائها في المنطقة.

وبصرف النظر عن الاهداف والنوايا تجاه العراق، فأن هذا الاستراتيج الايراني في ادارة العلاقات مع العراق، كدولة شرق اوسطية مهمة وكان لها دورها في المنطقة، وكان من الممكن ان يتعاظم دوره، أسفر عن عدم استقرار كبير في العراق. وهو الامر الذي انعكس سلبا على إيران الدولة وإيران الثورة معا ودفعهما الاستمرار في ذلك الى تحمل تكاليف كبيرة بسبب عدم الاستقرار في العراق نتيجة الانقياد وراء مبادئ دستورية طوباوية في العمل السياسي الخارجي. فالدول عادة ما تعمل على تعزيز استقرار الدول الجارة لضمان امنها وتجنب الاثار السلبية لعدم الاستقرار، ومن ثم تعزيز العلاقات الاقتصادية.  واصبحت ملفات العلاقات بين البلدين تحت سيطرة وتأثير فواعل من غير الحكومة، وقادت سلسلة اساليب التعامل الايراني مع العراق والمواقف الرسمية التي تسوق لتبعية العراق لإيران الى رفض شعبي عام لسياسة إيران مع العراق حتى في الراي العام (الشيعي).

هل من إطار لعلاقات متوازنة ومتكافئة بين العراق وإيران؟

الحكومة العراقية المؤقتة وفي برنامجها الحكومي، ولضمان تحقيق الهدف من تشكيلها الا وهو اجراء انتخابات مبكرة نزيهة وشفافة، تعهدت على اعتماد مبدأ المصالح المشتركة في ملف علاقات العراق الدولية، والمحافظة على وحدة واستقلال العراق وسيادته. وهذا، وان كان لا يمكن تحقيقه من قبل حكومة مؤقتة، الا ان ذلك لا يعني تركه، بل لابد من التأسيس لنهج جديد في العلاقات الدولية لضمان ابعاد العراق عن التأثير والنفوذ السياسي والامني والذي حتما لن يوفر الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، ومنها العلاقات مع الجمهورية الاسلامية.

الثبات في رؤية العراق بعد عام 2003 تجاه العلاقات مع إيران هو ميزة مهمة، ولكن لم تُحسِن الحكومات السابقة على تطبيق تلك الرؤية. ولذلك نرى ان بالإمكان توظيف الاوضاع الاقليمية والدولية وما تشهده المنطقة من تنافس وتوترات، في ايصال رسائل مباشرة وصريحة الى صانعي القرار في إيران:

- ان العراق يحرص تمام الحرص على استكمال مسيرة التحول الديمقراطي وبناء الدولة والنظام السياسي الديمقراطي الذي يضمن للجميع مشاركتهم في ادارة البلاد على والتمتع بمواردها على اساس المواطنة بغض النظر عن الدين والطائفة والعرق.

- العراق دولة كبيرة وكانت مؤثرة في المنطقة، وعليها ان تكون كذلك في المرحلة القادمة. وهو يسعى الى تعزيز السلم والامن الاقليمي وايجاد قنوات للتقارب بين المتنافسين. وحتى يكون كذلك، يتطلب الامر من إيران ان تولي الحكومة الايرانية ووزارة الخارجة ادارة ملف العلاقات مع العراق وان يكون التعامل مع الحكومة العراقية بعيدا عن الفواعل من غيرها وعبر القنوات الدبلوماسية والجهات القطاعية المعروفة.

- الرسالة الاخرى، هو ضرورة تولي إيران الدولة (المؤسسات) ملفات العلاقات مع العراق ولاسيما الملف الاقتصادي.

- رسالة اخرى، ان العراق دولة عربية وذات عمق عربي كبير، وان الحكومة تسعى لاستكمال مسيرة عودته وبقوة الى عمقه العربي الذي بدأ نهاية عام 2017 واخفقت فيه الحكومة السابقة.

- للعراق علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية وانه يسعى الى تحقيق مصالحة الاستراتيجية، ويرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 والتي صوت عليها مجلس النواب، واتفاقات ومذكرات تفاهم في شتى المجالات، وهذا العلاقات شيء منفصل عن الصراع الايراني – الاميركي في المنطقة. وهذا يؤكد ان العراق لن يسمح ان يكون ساحة لهذا الصراع ولن يكون منطلقا لاستهداف جيرانه واصدقائه.  

- الملف الامني ملف حساس وذو اولوية في المرحلة القريبة القادمة، وله انعكاساته الى الاوضاع السياسية والاقتصادية، وان الحكومة المؤقتة عازمة على فرض سلطة الدولة على كامل اقلميها، وهذا من صميم اختصاصها ومهامها ولن تسمح لفواعل اخرين بفرض ارادتهم والتأسيس لحالة الفوضى. 

التعليقات
تغيير الرمز