خيار المعارضة في مجلس النواب: اشكالية النجاح والمواجهة

جرت اجتماعات لقوى سياسية في تحالف الاصلاح والاعمار خلال يومي 15 – 16 حزيران الجاري مثل تيار الحكمة الوطني الذي يتزعمه السيد عمار الحكيم في بغداد.  كما عقد ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق السيد حيدر العبادي اجتماعا في بغداد ايضا وفقا لوسائل اعلام محلية. وأصدر تيار الحكمة الوطني عقب اجتماعه يوم السبت 16 حزيران بيان تضمن الاعلان عن تبنيه خيار ما أطلق عليه " المعارضة السياسية الدستورية الوطنية البناءة"، والالتزام الكامل بما يقتضيه هذا الخيار وما يستلزمه من اداء وسلوك على الصعيد الوطني واعلمت هيئة رئاسة مجلس النواب بذلك. وكان ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي قد أعلن الخميس 13 حزيران الجاري عن تبنيه خيار "المعارضة التقويمية". وبالتوازي مع تلك التطورات، دعت كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مساء السبت 16 حزيران، رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، الى الحضور في البرلمان لتبيان مراحل الإنجاز في البرنامج الحكومي. 

هذه التطورات المتسارعة والمتشابهة تثير اسئلة عدة ومن منطلقات حتمتها المرحلة الحالية وهي مرحلة انهاء ملف الدرجات الخاصة نهاية حزيران الجاري (وفق قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019)، والمناصب الاخرى، والتي طالبت القوى السياسية بما فيها بعض تلك التي تريد الذهاب باتجاه المعارضة بان يتم توزيعها "بأنصاف". والحتمية الاخرى هي اشارات الغضب الشعبي حول انعدام الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء، والتي غالبا ما تؤدي الى اتساع المظاهرات كل صيف منذ عام 2015 وحتى قبلها عام 2011. لذا يمكن القول ان الاتجاه لخيار المعارضة هو اعلان مسبق بعدم المسؤولية وان القوى " المعارضة" تصطف الى جانب الجماهير وهو ما يؤهلها الى ترتيب صفوفها للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات القادمة والتي تقررت ان تجرى في نيسان 2020.

في النظم السياسية عامة وفي النظام البرلماني، تمثل المعارضة النيابية عامل ارتكاز لتقويم مسارات الحكومة وتوفر الإطار المتكامل للرقابة السياسية على اداء السلطة التنفيذية (الحكومة) والهيئات والمؤسسات الاخرى. ولذلك هي منهج سياسي يبدأ مع بداية تشكيل الحكومة التي يفترض ان تتكفل بها القائمة او التحالف النيابي الاكثر عددا او صاحب الاغلبية. 

لكن ما جرى هو انه القوى السياسية والكتل النيابية التي اعلنت معارضتها صراحة (تيار الحكمة الوطني)، والقوى الاخرى التي تريد تأدية دور المعارضة ولكن بشكل غير صريح لأسباب ربما تتعلق بانتظار مغانم المناصب وهي (سائرون، ائتلاف النصر) ساهمت في تشكيل الحكومة الحالية، وكانت ضمن الالية التوافقية لتجاوز الدستور في موضوعة الكتلة النيابية الاكثر عددا، وكان لها حصصها في اللجان النيابية، ومن المقرر ان يكون لها حصصها في الدرجات الخاصة والمناصب الاخرى ... هي من دعت لان تكون بجهة المعارضة. والتساؤل هنا لماذا لم تتبنى هذه الكتل والقوى النيابية تيار المعارضة حين تم التجاوز على الدستور؟ وعلى الآلية التي اعتمدت لتشكيل الحكومة؟

عليه، لا يمكن لتلك القوى ان تنجح في دورها الجديد. ولا يمكنها الهروب من المسؤولية وترك القوى والكتل النيابية الاخرى امام غضب الجماهير. اذ ان الكل مسؤول عن الاداء السيء في مجلس النواب وفي الحكومة والكل يعرف منذ البداية ان حكومة بهذا الوهن السياسي لا يمكنها تحقيق شيء، كما ان من المعروف ايضا ان الكتل والتحالفات النيابية في مجلس النواب كانت هي القائدة لدفة تشكيل الحكومة. وبالتالي لا يمكنها التخلي عن المسؤولية وتحميلها لرئيس الحكومة لوحدة.

اما فيما يتعلق بالتلويح لسحب الثقة عن الحكومة وبالتالي اقالتها، فعلى الرغم من الاجراءات المتعددة لسحب الثقة عن الحكومة دستوريا، والتي تتطلب استدامة امرين مهمين: الاول، السلوك والتعبير الرافض للاداء الحكومي بعد المقارنة بين المنجز وغير المنجز وفقا للبرنامج الحكومي، والثاني، توفر الاغلبية المطلوبة دستوريا لسحب الثقة، فأن القوى السياسية التي اعلنت معارضتها داخل مجلس النواب والقوى الاخرى التي تريد ان تؤدي دور المعارضة – كما اوضحنا في اعلاه – تقع ضمن تحالف الاصلاح والاعمار. وبسبب من انقسامها الى معارضة صريحة واخرى مترددة، فأن ذلك سينعكس على اداء التحالف (الاصلاح) وسيجعله اقل تماسكا لاسيما مع وجود قوى سنية داخله قد ضمنت مكتسباتها ولا يمكنها التضحية بها، مقابل تحالفات وكتل نيابية ضمنت مكتسباتها في السلطتين التشريعية والتنفيذية مثل تحالف البناء والقوى الكردستانية والقوى السنية داخل تحالف البناء، وهي بانتظار جني ثمار الدرجات الخاصة والهيئات " المستقلة " والمناصب الاخرى. ولهذا لن تكون موضوعة المواجهة حول سحب الثقة عن الحكومة سلسة كما يصورها المتحمسين في المعارضة.

التعليقات
تغيير الرمز