العراق في بيئة اقليمية تصارعية: قراءة في الموقف العراقي خلال قمم مكة

شارك العراق في اعمال القمتين العربية والاسلامية التي عقدت في المملكة العربية السعودية يومي 30 و 31/آيار/2019 والتي نظمت في ظل ظروف اقليمية معقدة تصاعدت حدتها بعد دخول التوتر الايراني الاميركي مرحلة التهديدات المباشرة المفتوحة على مواجهة محتملة. الامر الذي انعكس في تطورات شهدتها دول الازمات في المنطقة ومنها قصف السفارة الاميركية في بغداد، واستهداف الحوثيين لشركة ارامكو السعودية للبترول، واستهدف ناقلات نفط في ميناء الفجيرة في الامارات العربية المتحدة.

كل هذه الاحداث تشكل لدى المراقبين دلالات خطيرة ربما تتبعها خطوات تعتمد على القوة العسكرية والتي ستنعكس سلبا على دول المنطقة عموما بفعل الطبيعة السياسية والجيوسياسية والامنية، والتحالفات الدولية والاقليمية، والازمات السياسية والامنية لدول لها اهميتها في السابق كالعراق واليمن وسوريا واليمن ولبنان واصبحت دولا هشة وساحة شد وجذب للأطراف الاقليمية والدولية المتصارعة. اذ تنظر لها ايران، وبفعل نفوذها المتزايد فيها، على انها اوراق قوة ولا يجب التفريط بها على حد تأكيد المرشد الاعلى في ايران علي خامنئي، فيما يُنظر لها من قبل دول فاعلة في المنطقة ومنها دول مجلس التعاون ومصر واسرائيل على انها دول مسلوبة الارادة ومنضوية تحت النفوذ والهيمنة الايرانية. وهذه الاسباب مجتمعة هي من تدفع تلك الدول الفعالة اقليميا الى الحصول على موقف واضح من دول الصراع والنفوذ تجاه الدور والتأثير الايراني فيها. ولذلك يمكن وضع دعوة ملك العربية السعودية الى انعقاد القمتين العربية والاسلامية في هذا السياق في ظل وضع حرج يستوجب معرفة الاصدقاء من المعترضين للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة في تحديد النفوذ الايراني. 

العراق له مصالح استراتيجية يهدف لها في سلوكه السياسي الجديد تجاه محيطه الاقليمي والعربي والذي بدأته الحكومة السابقة نهاية العام 2017 وبعد انجاز القضاء على داعش الارهابي عسكريا. فالمشاكل السياسية الداخلية، وجهود اعادة الاستقرار عقب الصراع، وتعزيز الامن المستدام ، واعادة الاعمار تتطلب هذ التقارب الاقليمي تجاه الجيران والاشقاء. لان تلك المصالح لاترتبط كليا بالسياسات العامة الداخلية للدولة، بل – وبفعل عوامل عدم الاستقرار وتعدد الفواعل – لها ارتباطاتها الاقليمية المعرفة. لذلك نرى ان الرئاسات الثلاث حققت نجاحا متواصلا مع ما بدأته الحكومة السابقة. 

لذلك يمكن القول، ان كلمات رئيس الجمهورية السيد برهم صالح خلال القمتين العربية والاسلامية تضمنت موقف واضح يضع مصالح العراق اولا، ومذكرا بالدور الاساس للعراق في منظومة الامن الاقليمي، واهمية استقراره الامني في استقرار المنطقة ، ومبديا في الوقت نفسه رفضه للاعتداءات على اشقاءه العرب والاخلال بالأمن القومي العربي، وداعيا الى التعاون والحوار لرأب الصدع وتجنب الصراع العسكري الذي يتضرر منه العراق بالدرجة الاساس. 

لذا كثير من المواقف الاعلامية والسياسية المحلية في العراق ذهبت الى تأويل الموقف العراقي خلال القمتين وفقا لمتبنياتها السياسية في سحب الموقف لصالح ايران وان العراق يقف الى جانب ايران وخسر انفتاحه على محيطه العربي. في حين ان الكلمات اكدت على المصلحة العراقية واشارت بوضوح وبواقعية الى انعكاسات العمل العسكري ضد ايران او ضد اشقاءه العرب على الامن الوطني العراقي والذي هو ركيزة اساس للأمن القومي العربي. اذ اكد رئيس الجمهورية في كلمته : " ان اي تصادم في منطقتنا سيعرض أمن العراق للتهديد، ومن هذا المنطلق، منطلق مصلحتنا العراقية، ومنطلق حرصنا على امن المنطقة، ومنطلق حرصنا على أمن اشقائنا والامن القومي العربي، فالعراق سيعمل على بذل قصارى جهدهِ لفتحِ بابِ الحوارِ البنّاء، ويشدد على ضرورة تبنّي احوار المباشر، ونبذ العنف والحرب". واضاف ايضا " ان ترسيخ الاستقرار في العراق يتطلب تعاونا وتفهما من الاشقاء والجيران والاصدقاء..." . وفي هذا اشارة واضحة الى ضرورة تفهم الاشقاء (العرب) والجيران (ايران وتركيا) والاصدقاء (الولايات المتحدة والدول العربية وغير العربية الاخرى) لمصالح العراق في تحقيق الاستقرار. 

وفي هذا السياق – سياق نبذ الحرب وامن الاشقاء والجيران - ابدى الوفد العراقي تحفظه على البيان الختامي وليس في سياق الدفاع عن ايران او غيرها وهذا لا يترك لأي جهة مجال للتأويل وتحريف المراد لصالح اهدافها ومصالحها الحزبية والغير وطنية والضيقة. والمطلوب منها ان تساند الجهد الوطني الرامي لتعزيز استقرار العراق واعادته الى دوره الريادي عربيا واقليميا ودوليا والدفاع عن مصالح العراق لا مصالح هذه الدولة او تلك على حساب المصلحة العراقية تحت تبريرات وشعارات مذهبية طائفية ايديولوجية اقصائية. 

ومن جانب آخر، لم تتضمن الكلمتين عبارات غير تلك الداعمة لاستقرار المنطقة ودولها ورفاهية الشعوب وتحقيق استقرارها وامنها ومنها اليمن وسوريا، وبالتالي هذا لا يسمح للحوثيين وحزب الله وغيرهم بتجيير الموقف العراقي لصالح ايران وضد اشقاءه العرب. 

التعليقات
تغيير الرمز