الخليج: تعقيد النزاع ومخاطر التصعيد

 الخليج المتنازع على تسميته يقع جنوب غرب آسيا، بين إيران في الشرق، وعلى الساحل الغربي بقية دوله، العراق والكويت في الشمال ثم السعودية وقطر والبحرين وفي الجنوب الأمارات تليها عمان. وطول خط الساحل الايراني حتى نهاية خليج عمان 1760 كم. ويتراوح عرضه بين 370 كم و55 كم، وعند أقصر عرض في مضيق هرمز 32 كم. وفي العمق يصل 92 م في الجانب الشرقي وعند سواحله الغربية لا يزيد عن 30 م. ومما يتصف به الخليج قلة المياه العذبة التي تنتهي اليه، ومصدرها، دجلة والفرات يلتقيان في شط العرب ونهر كارون، وبعض التدفقات الموسمية من شمال الشرق. ودرجة الحرارة مرتفعة في الخليج والتبخر أكثر من كميات المياه العذبة المتدفقة اليه، ولذلك تكون الملوحة مرتفعة. 

  الخليج بالمعنى الدقيق ينتهي عند مضيق هرمز وبهذا المعنى فان المضيق هو المنفذ البحري الوحيد للعراق وإيران والكويت وقطر والبحرين. للعراق ثلاثة موانئ اثنان على الخليج والآخر ميناء البصرة على شط العرب الذي يصب في الخليج. وللكويت ثلاثة موانئ شمال غرب الخليج، ولدى إيران ثلاثة موانئ شمال الخليج ورابع عند مضيق هرمز والخامس على الساحل الإيراني من خليج عمان لجهة حدودها مع باكستان، وثلاثة موانئ على بحر قزوين. وتُظهر الخرائط المنشورة للأمارات العربية ستة موانئ على الخليج وثلاثة اخرى على خليج عمان، ولقطر اربعة موانئ واثنان من المرافئ، وللبحرين اثنين من الموانئ؛ اما عمان فلديها ميناء على مضيق هرمز وثلاثة على خليج عمان وآخر على البحر العربي؛ وللمملكة العربية السعودية ستة موانئ على الخليج ومثلها على البحر الأحمر حيث تدار حوالي 70 بالمائة من تجارتها الخارجية. 

   وبذلك يظهر ان السعودية هي الأكثر استعدادا للاستغناء عن الخليج ومداخله، خليج عمان وبحر العرب؛ وإيران لا تنفعها موانئ بحر قزوين، المغلق، بديلا عن الخليج؛ وبقية الدول بما فيها العراق تعتمد منافذها البرية عند اعاقة الممر المائي لأي سبب.  وعند النظر الى المرونة الاستراتيجية بدلالة المساحة بآلاف الكيلومترات المربعة: تأتي السعودية ثم إيران 2150 و1648؛ والعراق وعمان والأمارات 437 و310 و83 على التوالي؛ والكويت وقطر 18 و11 لكل منهما، والبحرين مساحتها اقل من ألف كيلومتر مربع. ومن جهة التضاريس وتنوع الموارد وابعاد المجال الجيوسياسي تكون إيران اولا وبعدها السعودية والعراق وعمان على التوالي ثم بقية الدول.

سكان الخليج ومجملاته الاقتصادية:  

    سكان دول الخليج 174.7 مليون نسمة عام 2017، حسب البيانات المنشورة من البنك الدولي، بتنوع أثني من العرب والفرس والكورد وآذاريين وأتراك وبلوش وعراقيين قدامى واثنيات اخرى، وتنوع ديني ضمن هذه الإثنيات وأغلبهم مسلمون، سنة وشيعة، ومسيحيون وايزيديون وزرادشت وديانات أخرى.  يتوزع سكان دول الخليج بين إيران 46.5 بالمائة، وفي العراق 21.9 بالمائة؛ وفي كل من السعودية والأمارات 18.9 بالمائة، و5.4 بالمائة؛ و2.7 و2.4 بالمائة على التوالي في عمان والكويت؛ وفي قطر والبحرين 1.5 و0.9 بالمائة. ومن ضمن السكان المبينين في تلك التقديرات أجانب عددهم 27.7 مليون نسمة غالبيتهم في دول مجلس التعاون. أي ان السكان المواطنين في دول الخليج 147 مليون نسمة يتوزعون بنسبة 53.3 بالمائة في إيران، و25.8 بالمائة في العراق، و15.7 بالمائة في السعودية، في هذه الدول الثلاث 94.8 بالمائة من سكان الخليج المواطنين، وفي بقية الدول 5.2 بالمائة من مجموع السكان. 

     ويتفاوت ثقل السكان الأجانب بين الدول، وأكثر من نصف السكان اجانب في أربع دول خليجية، ونسبهم المئوية من مجموع سكان الدولة: في الأمارات والبحرين والكويت وقطر 88.4؛ 51.1؛ 58.9؛ 77.2 على التوالي، وفي عمان والسعودية 24.6؛ 30 وأغلب الاجانب في دول مجلس التعاون قوى عاملة يعتمد عليها الاقتصاد كثيرا.

      اقتصاد الخليج نفطي بدرجات متفاوتة وتنتج دوله، تقريبا، 30 مليون برميل يوميا من النفط عام 2018، نفط خام وغاز بترولي مسيّل وبعض النفوط غير التقليدية، للاستهلاك المحلي والتصدير، ويشكل الانتاج النفطي الخليجي حوالي 31 بالمائة من المعروض العالمي. وايضا يُصدّر الغاز من قطر وإيران، ومنتجات الصناعة البتروكيمياوية من إيران ودول مجلس التعاون، واقيمت صناعات بطاقات انتاجية كبيرة تعتمد على الهيدروكربونات مثل الأسمدة او كثيفة الطاقة مثل الاسمنت، الى جانب العديد من الصناعات التحويلية الاستهلاكية والوسيطة، لكن الاهمية النسبية للصناعات التحويلية بقيت واطئة، الى جانب المستوى المنخفض للزراعة، في توليد الناتج المحلي لدول مجلس التعاون. ومن بيانات البنك الدولي يقدر الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، وهو المقياس المتعارف عليه لحجم الاقتصاد، 2101 مليار دولار او 2.1 ترليون دولار عام 2017 وللسعودية تقريبا ثلث الناتج 32.6 بالمائة؛ وإيران لها 20.9 بالمائة؛ والأمارات العربية 18.2 بالمائة؛ وللعراق 9.4 بالمائة؛ ولكل من قطر والكويت 8.0 و5.7 بالمائة على التوالي؛ وعمان والبحرين 3.5 و1.7 بالمائة لكل منهما. ويعادل اقتصاد الخليج 137 بالمائة من اقتصاد كوريا الجنوبية و247 بالمائة من اقتصاد تركيا، وهذه المقاييس بدولارات اعتيادية ليست معدّلة. وعند حساب الناتج بدولارات دولية متعادلة القوة الشرائية PPP يرتفع كثيرا تقدير ناتج الخليج، وتحافظ السعودية على حجمها النسبي، بينما يزداد الوزن النسبي للناتج الايراني الى 27 بالمائة من مجموع الخليج والعراق الى حوالي 11 بالمائة بحسابات تقريبية.   

  والأمارات انشط دول الخليج في التجارة الخارجية، واكثرها انفتاحا، بدلالة مجموع الصادرات واعادة التصدير والاستيرادات نسبة الى الناتج القومي، وبعدها عمان تليها البحرين ومن ثم وعلى التوالي الكويت وقطر والسعودية والعراق واخيرا إيران. 

  عمليا لا يستغني اقتصاد العالم عن كل النفط الخليجي لمدة تزيد على ستة أشهر دون اضطراب يهدد الاستقرار الاقتصادي وقد ينزلق العالم الى ازمة عميقة وشاملة. لكن يمكن الاستغناء عن جزء من نفط الخليج بمقدار ستة ملايين برميل في اليوم، او نحو ذلك، لمدة سنة او أكثر عبر تكيّف في الاسعار يتحمله اقتصاد العالم واستنزاف المخزون الاحتياطي التجاري لحين زيادة الانتاج من المصادر غير التقليدية او من النفوط التقليدية عالية الكلفة انسجاما مع الاسعار الجديدة. 

 وعلى فرض انقطاع مورد العملة الاجنبية من صادرات النفط، لغرض التحليل، فإن السعودية تستطيع ادامة استيراداتها بالمستويات الاعتيادية لمدة سنتين او أزيد، ومثلها وربما أكثر الأمارات العربية وقطر والكويت، بينما تواجه عمان والبحرين وضعا صعبا، والعراق يستطيع لمدة سنتين مع تقنين للمستوردات. اما إيران فقد حافظت على إحراز فائض في ميزانها الخارجي واستطاعت تبعا لذلك تكوين احتياطيات، رغم المطالبة الواسعة لتحسين مستويات المعيشة، ومن المتوقع تعرض اقتصادها الى ارتباك، عند انقطاع صادرات النفط، ما لم تتمكن من التصرف بأرصدتها، خاصة وأنها تتجنب الاقتراض من الخارج.

الخليج في الاستراتيجية الأمريكية ومجلس التعاون:

غالبا ما تهتم الدراسات الاستراتيجية للخليج بالطاقة لكن اهتمام دول اوربا بهذه المنطقة سبق النفط بمدة طويلة، منذ بداية القرن السابع عشر. وجاءت عناية السياسة البريطانية بالنفط اواخر العهد العثماني في العراق وإيران، ومعها فرنسا وهولندا، وطالبت امريكا بحصة من النفط بعد الحرب العالمية الاولى ارتباطا بدورها في مساندة الحلفاء ضد دول المحور. وأصرّت أمريكا نهاية الحرب العالمية الثانية على الانفراد بنفط السعودية في مقابل ترك نفط إيران لبريطانيا والمشاركة في نفوط بقية الدول.

  ولقد دأبت الولايات المتحدة على تأكيد اهمية امن الخليج في استراتيجيتها الدولية لتأمين استدامة انسياب مصادر الطاقة الى الاسواق الدولية، لكن سياساتها العملية لا تدل على قلق من احتمال تعرض أمن الخليج الى مخاطر بهذا المعنى، كما دلت تجربة حرب الثمانينات وما بعدها.  بل لمقاصد اخرى فحواها ردع ومعاقبة المعارضين لهيمنتها في الشرق الأوسط، وبانسجام مع فهمها لأمن حلفائها. ولو كان القلق على مصادر الطاقة هو العامل الاول في السياسة الخارجية لكانت المانيا وفرنسا والصين والهند هي الأكثر اشتغالا على عوامل الامن والاستقرار في هذا الجزء من العالم، ولا يعقل ان تلك الدول اطمأنّت الى حرص الأخ الأكبر على أمنها الاقتصادي ومصالحها الحيوية.

   وتبالغ الدوائر الأمريكية كثيرا في وصف التهديدات ألأمنية لمضيق هرمز، " وإن اقتصاد العالم يمكن ان يُخنق من هناك"، والملاحظ ان شهادة الجنرالات، والأوساط القريبة منهم، امام الكونغرس هي المصدر الرئيسي لهذا التهويل لتبرير انتزاع المزيد من الأموال والدعم السياسي للماكينة العسكرية. وفي الواقع إيران لم تحاول إغلاق مضيق هرمز حتى في أقسى ظروف حرب الثمانينات لكنها تريد الاعتراف بمزاياها الجيوسياسية.

  لقد تشكل مجلس التعاون الخليجي عام 1981 تحسبا لتداعيات الحرب العراقية الإيرانية وللتحالف في مواجهة إيران، هذا ما يُذكر في العديد من الوثائق، وتطور التعاون العسكري بين دول المجلس والولايات المتحدة في سنوات تلك الحرب وتكثّف حضور القوة الأمريكية للتضييق على إيران، التي اخرجتها الثورة من السيطرة الأمريكية ووضعتها امام تحديات جسيمة. وبموازاة هذا السياق كانت تجري الحرب في افغانستان، والتي ظهر فيما بعد انها عملية سيكو-ثقافية عميقة لتعميم العنف.

 ومنذ غزو الكويت، عام 1990، وحرب الخليج الأولى والى عام 2003 تحول التركيز من إيران الى محاصرة العراق. وبعد احتلاله، وضعفه العسكري، عاد الانشغال بإيران ضمن سياق سياسي، وآليات متعددة الأوجه، اعادت بناء كل الشرق الأوسط على اساس جديد.  

    ولقد اخفقت محاولات تطوير منظمة مجلس التعاون نحو كيان اتحادي ابتداء من مشروع العملة الواحدة الى مبادرة السعودية اواخر عام 2011 لتكوين اتحاد يتولى مسؤولية الدفاع والسياسة الخارجية والتجارة والعملة. وربما اعاق التفاوت الواسع في الحجم السكاني والقوة الاقتصادية والعسكرية بين الدول تكوين الاتحاد. اضافة الى اختلاف دول المجلس في الموقف من انظمة الحكم ومختلف القوى السياسية في المنطقة ومجريات الربيع العربي والحروب الداخلية، وفي السياسة الملائمة تجاه إيران. وعموما من الصعب تصور الاتفاق على تقييم المخاطر واساليب مواجهتها بين دول مجلس التعاون. 

وتتواجد القوات الأمريكية او تستخدم عشرين موقعا في دول الخليج منها واحد في العراق، ميناء ام قصر، و19 في دول مجلس التعاون اهمها قاعدة العيديد Al Udied في قطر التي تتسع لأيواء 120 طائرة مقاتلة و10 آلاف من الأفراد ومقر القيادة العسكرية المركزي والقيادة المركزية للقوة الجوية. وباستثناء ثلاثة مواقع في الداخل السعودي وجدة على البحر الأحمر البقية كلها على الساحل او على مقربة منه بين شمال الخليج ونهاية خليج عمان وموقع على ساحل البحر العربي، ويوجد 35 ألف من القوات الأمريكية في منطقة الخليج، اضافة الى حاملة طائرات وسفن حربية.  وحسب تقرير خدمات ابحاث الكونغرس CRS في 23 مايس 2018، لدى دول مجلس التعاون  498 طائرة مقاتلة منها 261  للسعودية  و 138  للأمارات؛ و 104 طائرة هليكوبتر هجومية ؛ و1733 دبابة ، Tank ، منها للسعودية والأمارات 1067 ؛ واسلحة أخرى.

   اما إيران فإن اسلحتها التقليدية واطئة التقنية ولا تكافئ جيرانها في الطيران الحربي، ويذكر ان لديها 330 طائرة حربية وهليكوبتر، والطائرات الحربية من مصادر مختلفة منها امريكية قديمة تمكنت من ادامتها وطائرات روسية سيخوي وميغ ومن دول اخرى. ولديها سفن حربية، وغواصات صغيرة، لكنها تعوّل على الزوارق الحربية السريعة والألغام البحرية والصواريخ المضادة للسفن والغوّاصات للدفاع عن مداخل إيران في خليج عمان ومضيق هرمز؛ وسلاح القاذفات ضد الدبابات لديها فعال اضافة على صواريخ مضادة للطائرات. وتذكر التقارير الأمريكية ان إيران لا تصنّع اسلحة كيمياوية وبيولوجية، وليست لديها مخزونات منها، لكنها قادرة إن أرادت ومن المستبعد تعاملها مع هذه الأسلحة. واجمالا تبقى قدراتها في الاسلحة التقليدية قاصرة، ولذلك حاولت تعويض هذ النقص بالقوة الصاروخية والتي تصل مدياتها 2000 كم. ويبدو ان تركيز إيران على الصواريخ وتسليح جماعات موالية لها في المنطقة من وسائل تعويض نقص قدراتها الدفاعية بالأسلحة التقليدية. وبالمجمل توصف القدرات العسكرية الايرانية بانها دفاعية كما هي استراتيجيتها العسكرية.  

اتخذ مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2231 في حزيران 2015 معتمدا خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، وهي التسمية الرسمية لاتفاقية الدول الست والاتحاد الاوربي مع إيران بشأن البرنامج النووي، وبموجب هذا القرار أنهى مجلس الأمن العقوبات على إيران التي فرضتها قرارات سابقة. ثم اخضع نقل السلاح التقليدي من وإلى إيران لموافقته ولكل حالة على حدة. ويشمل هذا التقييد كافة الأسلحة التقليدية المبينة في قائمة تفصيلية تعتمدها الأمم المتحدة لتوثيق الأسلحة التقليدية. وينتهي هذا التقييد في 18 اكتوبر من عام 2020 أي بعد خمس سنوات من سريان الاتفاقية حول البرنامج النووي التي اقرها مجلس الأمن في حزيران من عام 2015 بقراره 2231 آنف الذكر.

 اتفاقية خطة العمل المشتركة تضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، وقد ألزمت الاتفاقية إيران بعدم تطوير صواريخ حاملة لرؤوس نووية. ولقد خرجت الولايات المتحدة من تلك الاتفاقية ولم تلتزم قرار مجلس الأمن. وساعدت دبلوماسية إسرائيل والسعودية والأمارات العربية، وجماعات الضغط المؤيدة لهذه الدول، على تشدد مواقف امريكا تجاه إيران وجاء النقض في هذا المنحى. ويستشف ان الدول الثلاث حاولت اقناع الولايات المتحدة بتوجيه ضربة لإيران، لكن الولايات المتحدة، ربما، تنتظر مبادرة الحرب من هذه الدول وبمساندة من دول اخرى في المنطقة، لكن دول مجلس التعاون تخشى التورط.   

 ان تفوق حلفاء امريكا على إيران بالقوة العسكرية واضح، واستمرار هذا التفوق مضمون، وامريكا ايضا لا تريد الانسحاب العسكري كليا من المنطقة، ولذلك كيف تُفسّر الحرب ان بادرتها امريكا او حلفائها، فإن لم تكن استراتيجية إيران دفاعية في النوايا تتكفل موازين القوى التزامها الموقف الدفاعي.     

الخصومات السياسية وخطابها في بيئة النزاع:   

     يبدو ان الولايات المتحدة تتابع العلاقات الدولية لإيران بالتفصيل وتعمل على قطع او اضعاف تلك العلاقات ما استطاعت. وتفهم الولايات المتحدة، والسعودية، العلاقة بين إيران والعالم بمنطق المباراة الصفرية، فلا تريد المملكة السعودية انهاء النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، إذ تعدّه خسارة لها، وتحاول الولايات المتحدة منع التعامل الاعتيادي بين إيران والعالم إذ تراه إضعافا لقوتها. وأدى هذا النهج، وخلاصته ان الدنيا لا تتسع لكلينا، الى تأزم المنطقة ودفع جميع الأطراف نحو حافة الحرب وبصفة مستمرة. وان بقاء المجتمعات والدول في اجواء الحرب لمدة طويلة يؤدي الى الاعتياد على التوازن مع النزاع والتهديد والاستعداد للحرب، وبالنتيجة الخوف من المصالحة والارتياب من السلام. 

     تنظر الولايات المتحدة الى العراق وما يجري به وعليه من زاوية نزاعها مع إيران، وبحساسية شديدة تجاه القوى السياسية التي كانت لها علاقات مع إيران ايام المعارضة، او التي نشأت فيما بعد في سياق الحرب الأهلية التي كان لجميع حكومات ومجتمعات دول الجوار حضور فيها بشكل او بآخر. وقادت هذه المقاربة الأمريكية للوضع العراقي، من بين عوامل أخرى، الى تأخير تسليحه وابقاءه دون أدنى امكانات في القوة الجوية، خاصة، لحين تشكيل حكومة العبادي، وكان لهذه السياسة دورها في التدهور الأمني الذي قاد الى احتلال الإرهاب للموصل ووصوله قريبا من بغداد. ومن الواضح ان البيئة السياسة في الشرق الاوسط لا تساعد على الاستقرار وتهدد بإضافة المزيد من الدول الفاشلة، وتشكلت هذه البيئة انطلاقا من الخليج وسياسة امريكا في الخليج. ان الاتصال الجغرافي – الثقافي بين دول الخليج حقيقة في التاريخ والحاضر. ولا تسمح العقلانية السياسية انكار ذلك الاتصال والهروب منه بل تأكيد استقلال الدول وسيادتها. وهناك فرق جوهري بين تأكيد الاستقلال، والسيادة وتكافؤها بين جميع دول الخليج، ونفي الحقائق الموضوعية والانغلاق. 

   تُتّهم المطالبة بحقوق مدنية، وانشطة المعارضة السياسية، بالخيانة الوطنية والعمالة، وفي نفس الوقت غالبا ما تحصل المعارضة وحركات التمرد المسلح على دعم خارجي. وهذا معروف في تاريخ العراق الملكي والجمهوري، وسوريا آنذاك، ولبنان، وحرب اليمن التي اطاحت بالملكية، والحرب الداخلية في عمان في الستينات والسبعينات، وما جرى في العراق ويجري الآن في سوريا وليبيا واليمن وغيرها. بينما يتكرر في تقارير وتصريحات امريكا واسرائيل بأن إيران هي الدولة الوحيدة التي لها صلات تعاون مع احزاب وحركات سياسية ومجموعات مسلحة في المنطقة وتدعمها. وفي واقع الحال ان الكثير من الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية، لها مثل هذه العلاقات والتدخلات في دول المنطقة ونزاعاتها الداخلية ومعارضاتها، بما في ذلك مع المعارضة الإيرانية. اما القول باننا نساند وندعم قوى الخير والمحبة والسلام وعدونا يحارب الى جانب قوى الشر والظلام، فهذه دعاية سياسة ساذجة او اعلام حربي.

إيران تخلت عن تصدير الثورة منذ بداية التسعينات، لكنها حافظت على خطاب ايديولوجي فحواه ان البنية السياسية والاقتصادية في المنطقة تديم الاضطهاد والاستضعاف ويزيدها التدخل الغربي ضعفا وتشويها، وان دولة اسرائيل ليست شرعية والغرب يتحيز لها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ومن الجهة الاخرى توصف إيران بالقسوة في معاملة المعارضة مثل مجاهدي خلق، والتضييق على البهائية، كما تعترض الامم المتحدة بصفة مستمرة على احكام الاعدام، بتعبير آخر انها بعيدة عن النموذج الليبرالي وديمقراطيتها مقيدة بولاية الفقيه في رأيهم. 

ترى إيران ان الولايات المتحدة ساعدت حلفاءها من الدول العربية واسرائيل على عزلها، واشاعة ثقافة رافضة لها تشوّه صورتها لدى شعوب المنطقة، وتقصيها عن الشؤون المشتركة في الخليج وهي جزء منه وامنها مشروط بنطاقه الجيوسياسي. وقد ساعدت هذه السياسة، في رأيها على انتشار التشدد والارهاب وعدم الاستقرار. بينما تتذمر امريكا واسرائيل وخصوم إيران الآخرين من راديكالية إيران في علاقاتها الدولية وانخراطها في الشأن الفلسطيني ودعمها لحزب الله والحوثيين ومجموعات مسلحة موالية لها في العراق ونظام الحكم في سوريا. وأنها تحرّض على انظمة الحكم الحليفة للغرب واسرائيل. ويستنتج من التقارير المنشورة عن الدوائر الامريكية ومنها خدمات ابحاث الكونغرس CRS ان الولايات المتحدة تتبنى موقف اسرائيل، الى حد كبير، والتي تصف إيران بانها الدولة الأكثر عداء لها. وايضا، كانت الولايات المتحدة ولم تزل مستفزّة من رفض إيران، سياسيا، لوجودها العسكري وهيمنتها، وتحمّل الولايات المتحدة إيران المسؤولية عن هجمات استهدفتها واسرائيل في الخارج بين عامي 1979 و2011 تتهم بها حزب الله او المجموعات التي تشكّل منها، اضافة الى دعم حماس ونهج المواجهة المسلحة بين المنظمات الفلسطينية واسرائيل. 

 ويبدو ان هذه الأزمة ورغم تشعبها في تفاصيل كثيرة يمكن ارجاعها ببساطة الى ثلاثة عوامل: اسرائيل والمشكلة الفلسطينية؛ مضاعفات الانقسام الديني/ الاثني في المنطقة؛ ومطلب الهيمنة الأمريكية. وإذا ترفّعت الحكومات عما تحتويه الثقافة السائدة من مضامين عنصرية وفاشية وكراهيات فأن الحرب بين ضفتي الخليج مستبعدة. 

التعليقات
تغيير الرمز