الاقتصاد العراقي وتداعيات المرض الهولندي

يشترك الجميع حول دور وفعالية الثروة النفطية في تطور الاقتصادات النفطية وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان وما يؤكد هذه الحقيقة، إن أغلب البحوث والدراسات أشادت بدور النفط في التنمية الاقتصادية في أغلب البلدان النفطية ومنها البلدان العربية والتي منها العراق، وتعد الإيرادات النفطية مصدر مهم لتوليد العملات الصعبة لتمويل الموازنة العامة في أغلب تلك البلدان ولكن ما يتبادر إلى الذهن كيف يمكن استخدام الثروة النفطية لتنمية حال اليوم وكيف بالغد عند نضوب النفط أو عند اكتشاف مصادر بديلة للطاقة؟ وهل حققت البلدان النفطية خطوات جريئة في ميدان التطور الصناعي والتقني في الوقت الذي حققت فيهِ بعض البلدان النامية والتي لا تمتلك ثروات طبيعية وخطوات جريئة في هذا المجال.. الخ من الأسئلة التي تدور في ذهن الجميع كمحاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لابد من الإشارة إلى مفهوم المرض الهولندي وجذورهِ التاريخية بعد إن بدأت هذهِ الظاهرة تصيب البلدان النفطية الخليجية ومنها العراق تحديداً. مفهوم المرض الهولندي Dutch Disease concept إن اكتشاف الموارد الطبيعية تؤدي إلى آثار مرغوب بها على القطاعات الإنتاجية وخصوصاً القطاع الصناعي وسمي بالمرض الهولندي في النصف الماضي (1900-1950) بعد اكتشاف النفط والغاز في بحر الشمال حيث هجع الجميع للترف والراحة وفضلوا الإنفاق الاستهلاكي البذخي على الإنفاق الاستثماري ولكن دفع ضريبة ذلك بعد أن أفاق على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفها باستهلاكهِ غير المنتج فسمي بالمرض الهولندي (الشمري مايح شبيب). ويمكن القول إن أعراض المرض الهولندي قد أصابت اسبانيا في القرن السادس عشر عندما حصلت على ثروات نتيجة اكتشاف واستغلال مناجم الذهب والماس من مستعمراتها في أمريكا اللاتينية وشهدت استراليا الحالة ذاتها في منتصف القرن التاسع عشر عند حصولها على المعدن النفيس، وفي بدايات القرن العشرين كانت تلك الظاهرة في الاقتصاد الهولندي الذي سبق إليها بشكل خاص في النصف الثاني من القرن العشرين كل من المكسيك والنرويج وأذربيجان بعد اكتشاف النفط والغاز في أراضينا وفي العهود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، قد أصابت ظاهرة المرض الهولندي الاقتصاديات العربية وخصوصاً البلدان الخليجية النفطية والعراق تحديداً وإذا لم تفلح هذه البلدان في استغلال الموارد النفطية في بناء قاعدة إنتاجية متقدمة مثلما حققت تقدماً في الإنفاق الاستهلاكي المظهري. أما العراق فحالتهُ خاصة فهو لم يصب بأعراض ذلك المرض فحسب بل هناك مضاعفات كبيرة لهذا المرض تمثلت بهدر الثروة دون الاستفادة منها في تطوير البنية الاقتصادية وخدمة الإنسان العراقي ولعل أهم العوامل التي ساعدت على ذلك هي:- - فشل السياسات الاقتصادية: يعاني العراق كغيره من الاقتصادات التي أصيبت بهذا المرض من عدم وجود أهداف واستراتيجيات واضحة للتنمية وفي ظل هذا الواقع الذي يشهد تخبط السياسات الاقتصادية، لم توجه الموارد النفطية والطبيعية إلى القنوات المهمة التي من شأنها إحداث تغير جذري في البنيان الاقتصادي إذا كان من المفترض استخدام إيرادات الموارد النفطية كدفعة قوية من خلال القدرة على توفير مقدار من البدء والتحرك نحو مرحلة البحث الذاتي وإجراء تغيرات في الاقتصاد القومي، إلا إنه في ظل غياب إستراتيجية تنموية ملائمة وسوء تخصيص العوائد النفطية فان الفشل سيكون من نصيب التنمية. - الارتباط غير المشروع بين السلطة والثروة: إن الثروات الريعية الطائلة عادة ما يرافقها سوء التعامل معها لتسخيرها لعملية التنمية الاقتصادية لذا فإنها لا تؤدي إلى تخلف الاقتصاد فحسب بل تؤدي إلى خلق اتجاهات ومناخات سياسية تنمو في غمارها النزاعات السلطوية وأساليب الحكم. - ضعف المبادرة والاتكال على الدولة يعيش الاقتصاد العراقي ظروف قاسية من التهميش والتبعية في ظل المرحلة الاستعمارية، وظهور حالة الركود والقناعة بالأوضاع المتردية وحالة الاسترخاء والركون إلى الراحة، أضعفت حالة المبادرة لدى أفراد المجتمع إن حالة الاتكالية على الدولة في توقير الاحتياجات الشخصية هي عامل إحباط لمساهمة الأفراد في النشاط الاقتصادي بالتالي تمثل أحد أعراض المرض الهولندي.
التعليقات
تغيير الرمز