أزمة لبنان والبطالة في العراق

يعاني العراق من مشكلة البطالة لأسباب عديدة، انعكست سلباً وستستمر وهل إن أزمة لبنان ستفاقمها بشكل أكبر؟

من باب الإحاطة يمكن الإشارة بإيجاز لهذه لأسباب ليتم التركيز لاحقاً على موضوع المقال، حيث تتمثل في ضعف الاقتصاد العراقي، وزيادة عدد السكان وضعف بناء المهارات.

ضعف الاقتصاد العراقي

بسبب هيمنة الدولة على الاقتصاد بشكل مباشر وبالخصوص على عنصر الأرض حيث تملك 80% منها، ورأس المال بحكم هيمنتها على الجهاز المصرفي رغم زيادة عدد المصارف الخاصة بعد2003! وامتلاكها لكثير من الشركات العاملة والتي تقدر بـ 76 شركة، وبشكل غير مباشر كنتيجة لعدم خلق مناخ استثماري جاذب للقطاع الخاص، هذا من جانب.

وهيمنة قطاع النفط على الاقتصاد من جانب آخر، بحكم إن مساهمته أكثر من 40% من الناتج المحلي الاجمالي، وأكثر من 90% في الايرادات العامة، وأكثر من 99% من الصادرات السلعية.

كلا الهيمنتين دفعتا بالاقتصاد العراقي ليكون اقتصاد ضعيف غير قادر على استيعاب الايدي العاملة المتزايدة.

زيادة عدد السكان

إضافةً إلى ضعف الاقتصاد العراقي على استيعاب الايدي العاملة، ان استمرار النمو السكاني، دفع لزيادة البطالة أيضاً، حيث يُصنف العراق من بين البلدان سريعة النمو السكاني، ما يؤدي إلى زيادة عرض العمل.

وبهذا الصدد، ومع تردي الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والخدمي والتعليمي والصحي، اعلنت وزارة التخطيط مؤخراً، في 1/3/2022 عن زيادة عدد سكان العراق ليصبح 41190658 نسمة عام 2021 بعد ما كان 40150147 نسمة عام 2020، بمعنى إن حجم الزيادة أكثر من مليون شخص.

وتشير التقديرات السكانية، حسب وزارة التخطيط؛ إن عدد سكان العراق سيبلغ 51211700 نسمة عام 2030، وفي حال ظل الوضع الحالي على ما هو عليه دون وجود سياسات إصلاحية تسير على أرض الواقع بخطى راسخة، سيتعرض العراق إلا ما تعرضت إليه لبنان ورُبما أسوء.

ضعف بناء المهارات

إلى جانب ضعف الاقتصاد العراقي، وزيادة عدد السكان، هناك ضعف على مستوى بناء المهارات، لدى الأيدي العاملة؛ انعكس سلباً على حجم البطالة في العراق.

 لأنه في العادة هناك علاقة عكسية بين المهارات والبطالة، أي كلما يرتفع مستوى المهارات يرتفع مستوى التشغيل وتنخفض البطالة والعكس صحيح، ونظراً لضعف التعليم في بناء المهارات أصبحت مخرجات التعليم غير ماهرة مما أدى إلى انخفاض الطلب عليها وارتفاع العرض منها وزيادة البطالة.

وما يُدلل على ضعف التعليم في بناء المهارات، هو عدم تصنيف الجامعات العراقية في التصانيف العالمية، وإن تم تصنيفها سيقتصر هذا التصنيف على عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد، في ظل بلوغ عددها 110 جامعة بين حكومية وأهلية عام 2019، حسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ وتكون في مراتب متأخرة.

أزمة لبنان والبطالة في العراق

كل الأسباب التي ذُكرت آنفاً، هي أسباب داخلية لكن ما يزيد الطين بلّة هي الأسباب الخارجية والتي جزء منها أزمة لبنان المتعلقة بغياب الاستقرار وانخفاض قيمة الليرة وإعلان الافلاس.

إذ إن غياب الاستقرار في لبنان وتواصل انخفاض قيمة الليرة وصولاً لحالة الافلاس التي تم الاعلان عنها رسمياً يوم الاثنين الموافق 4/ 4/ 2022، هذه الوضع سيدفع بتوليد المزيد من الضغط على سوق العمل في العراق باتجاه تفاقم البطالة مستقبلاً.

العامل الاقتصادي

وبصرف النظر عن اسباب غياب الاستقرار وانخفاض قيمة الليرة وحالة الافلاس، هل إن هذه العوامل ستترك آثارا على سوق العمل في العراق؟ بمعنى آخر هل ستؤثر على البطالة في العراق؟

 بالتأكيد، ستؤثر هذه العوامل على سوق العمل والبطالة في العراق، خصوصاً وإن ملامح الهجرة بدأت مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، حيث أخذ المجتمع العراقي يلاحظ وجود العمالة اللبنانية في الاقتصاد المحلي.

إذ إن فقدان قيمة الليرة أكثر 80% من قيمتها جعل قيمة الدينار العراقي أفضل بكثير منها، هذا ما دفع بالعمالة اللبنانية للهجرة والعمل في الاقتصاد العراقي، لان العمل في العراق والحصول على الدينار العراقي يعني الحصول على المزيد من الاموال عند مقارنتها بالليرة أمام الدولار الامريكي.

العامل الديني والاجتماعي

ما يشجع اللبنانيين على الهجرة والعمل في الاقتصاد العراقي عوامل مشتركة أخرى تتمثل في العامل الديني والعامل الاجتماعي، حيث يرغب اللبنانيون أن يعمل أبناؤهم في العراق أكثر من أي بلد آخر، بحكم الترابط الديني المذهبي ووجود المراقد المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف وسامراء لان الكثير من اللبنانيون يشتركون مع العراقيون بالطائفة الشيعية.

كذلك الأمر بالنسبة للعامل الاجتماعي، حيث يتصف العراق بأنه بلد محافظ اجتماعياً بشكل عام من حيث العادات والتقاليد عند مقارنته بدول أخرى وخصوصاً الخليج وبالذات الامارات، التي تتسم بوجود المقاهي الليلية واماكن الترفيه السياحي، بشكل واضح ومُعلن وحر، مما يجعل الاباء يفضلون لأبنائهم وخصوصاً الاناث أن يلجؤوا للعمل في العراق.

ملامح الاثار

حيث بدأت ملامح هجرة العمالة اللبنانية تجاه العراق مع انخفاض قيمة الليرة وارتفع قيمة الدولار، حيث توضح احدى المصادر خلال الاشهر الماضية هاجر 100 طالب/ة بعد تخرجهم من جامعة الرسول الاعظم نحو العراق، وهناك رغبة لدى الفتيات اللبنانيات بالهجرة والعمل في العراق .

 مصدر آخر، يشير لدخول أكثر من 20 ألف لبناني إلى العراق ما بين يونيو(حزيران) 2021 وفبراير(شباط) 2022، من دون احتساب الزوار الذين يأتون إلى النجف وكربلاء .

الإفلاس سيُفاقم الآثار

إن اعلان لبنان حالة الافلاس وعدم قدرة الدولة والبنك المركزي على سداد الالتزامات المالية يعني توقف النشاط الاقتصادي وهذا ما سيدفع بالمزيد من الايدي العاملة نحو البطالة، مما يجعلها تسلك باب الهجرة إلى خارج البلد من أجل العمل، ونظراً للروابط المشتركة بين العراق ولبنان سيلجأ المزيد من اللبنانيين للهجرة إلى العراق.

هذه الهجرة ستولد المزيد من الضغط على سوق العمل الذي يعاني بالأساس من تشوه صارخ، متمثل في زيادة عرض العمل مقابل انخفاض الطلب عليه ، وهذا ما يجعل حجم البطالة سيتفاقم بشكل مخيف على مستوى الأمد القريب والمتوسط.

إن اسباب البطالة الداخلية فضلاً عن أزمة لبنان وما ستتركه من آثار على البطالة في العراق، تتطلب من الجميع ترك الصراعات على السلطة لتحقيق مصالح ضيقة، والاهتمام بوضح خطة مدروسة ووفق توقيتات زمنية محددة لتحقيق المصالح العليا للبلد ومن بينها ملف البطالة الذي أخذ يتفاقم وسيتفاقم مع مرور الزمن ومع تسارع الأحداث في المنطقة الاقليمية.

وفي حال ترك الاحدث تسير كما يحلو لها دون دراسة وتخطيط لتدارك انزلاق الوضع للأسوأ، سيغرق المركب بنا جميعاً وسيخسر الجميع بلا استثناء.

وما يشجع على وضع خطة مدروسة والعمل على تنفيذها مباشرةً هو انتعاش اسعار النفط الحالية وزيادة الايرادات النفطية التي تسهم في إسراع تنفيذ الخطة وتلافي التوقعات المتشائمة.

مصادر تم الاعتماد عليها:

  - رواتب العراق الدولارية تجذب الفتيات "الملتزمات": للتجميل والتمريض، مقال متاح على الانترنيت. 

  -  رغم أزماته... العراق وجهة اللبنانيين "الأمثل" ، مقال متاح على الانترنيت

  - التشوه الصارخ في سوق العمل..العراق أنموذجاً، مقال متاح على الانترنيت.

التعليقات
تغيير الرمز