القطاع الكهربائي في العراق - رؤية اقتصادية

الكهرباء تخضع للدولة 

  يخضع القطاع الكهربائي بشكل كامل لهيمنة الدولة، وهي المسؤولة عن كل عملياته الاقتصادية كالإنتاج والنقل والتوزيع، وما هذه الهيمنة إلا استمرار للنهج السابق الذي كان يتولى إدارة مختلف قطاعات الاقتصاد بشكل كامل، واستمرار هذه الهيمنة يعني غياب دور القطاع الخاص وغياب المنافسة الحقيقية التي تضمن خفض الأجور ورفع الإنتاج الكهربائي كمياً ونوعياً.

  ونظراً لهيمنة الدولة على القطاع الكهربائي مع غياب القطاع الخاص والمنافسة الحقيقة، فإن التقصير في تغذية الطلب المحلي بأنواعه المختلفة، المنزلي والتجاري والصناعي والحكومي والزراعي؛ بالتزامن مع هدر الأموال، ستتحمله الدولة بالدرجة الأولى، كونها هي المسؤولة عن قطاع الكهرباء بالكامل، ومن غير المنطق أن نُحمل غير المسؤول عنها، ولهذا السبب يخرج المواطنون بتظاهرات لمطالبة الدولة بتحسين الكهرباء.

مؤشر نقص التجهيز

  أبرز مؤشر على ضعف القطاع الكهربائي هو نقص التجهيز المتمثل في الفرق بين معدل الحمل المطلوب ومعدل الحمل المجهز، وفي الوقت الذي بلغ الحمل المطلوب 22530 ميكا واط، بلغ معدل الحمل المجهز 12109 ميكا واط عام 2018، حسب التقرير الإحصائي السنوي 2018 لوزارة الكهرباء، مما يعني إن نسبة التغذية لم تشكل سوى 54% من الحمل المطلوب وظل ما نسبته 46% بلا تغذية كهربائية وهذه نسبة كبيرة! علماً إن جزءاً من ذلك الحمل المجهز لم يتم تلبيته من الانتاج المحلي العام(الدولة) بشكل كامل بل جزء من هذا الإنتاج والذي يمثل ما نسبته 21% تمَّ بالاعتماد على الاستيراد والاستثمار.

الفساد ينخر الدولة والكهرباء

  أن ضعف القطاع الكهربائي في تلبية الطلب المحلي لا يتعلق بضعف التمويل بقدر ما يتعلق الأمر بحجم الفساد الذي انتشر في مفاصل الدولة بشكل عام وفي ووزارة الكهرباء بشكل خاص، إذ معروف أن حجم التخصيصات لهذه الوزارة جاء ضمن أولويات الحكومات السابقة ولم تأخذ طريقها إلى أرض الواقع بشكل ملموس، بل جُلها ذهب في جيوب الفاسدين، مما يعني إن المشكلة لا تتعلق بالتمويل بقدر تعلقها بالفساد الذي ينخر كل مفاصل الدولة.

أولوية الكهرباء وعدم كفاءة الدولة

   حيث شكّل الإنفاق الاستثماري على الكهرباء ما نسبته 18.01% من الإنفاق الاستثماري الحكومي الكلي عام 2010 ثم انخفض إلى 7.28% عام 2015 مُحتلاً الأولوية الثالثة بعد النفط والدفاع لكنه سرعان ما عاد ليرتفع إلى 14.39% مُحتلاً الأولوية الثانية بعد النفط عام 2019، وهذا ما يدلل على ارتفاع حصة القطاع الكهربائي من التمويل الحكومي.

هذه النسب تعني زيادة الأعباء المالية على الدولة والتي تقضي بزيادة عجز الموازنة والتي بالتأكيد سيتم استيفاؤها، حالاً أم آجلاً، من جيب المواطن عبر الضريبة، واستمرار معاناة المواطن من جانبين، نقص تجهيز الكهرباء ودفع الأموال لتمويل المالية العامة والقطاع العام، والتي يذهب جزء كبير منها للفساد. 

إن هيمنة الدولة على القطاع الكهربائي من جانب وجعل هذا القطاع من أولويات الحكومة من جانب ثانٍ، والنتيجة استمرار ضعف القطاع الكهربائي واستمرار هدر الأموال، بحكم استمرار نقص التجهيز والانقطاع مع استمرار الاستيراد، وما هذه النتيجة السيئة إلا دليل على عدم كفاءة الدولة في إدارة هذا القطاع، ولابُد من إعادة النظر في فسح المجال أمام القطاع الخاص لضمان خفض الأجور وزيادة الإنتاج كمياً ونوعياً.

فشل الخصخصة 

 وبدل أن تفسح الدولة المجال أمام القطاع الخاص بشكل حقيقي ليسهم في تطوير القطاع الكهربائي وتلبية الطلب المحلي وإنهاء الاستيراد، لجأت الدولة لخصخصة قطاع الكهرباء في مناطق محددة كتجربة أولية لتعميمها لاحقاً، إن نجحت؛ ولكنها كانت تجربة فاشلة وذلك لخطأ إدارة هذا الملف وكما سيتضح في الفقرة التالية، إذ أصبحت الأجور مرتفعة  وعدم تحسن التجهيز واضحة، وهذا ما يتناقض تماماً مع جوهر اقتصاد السوق القاضي بانخفاض الأسعار وتحسن الإنتاج كمياً ونوعياً، وأصبح هناك رفض شعبي واسع لهذه التجربة، بل وأصبحت فكرة الخصخصة لدى الشعب فكرة سيئة، فلم تعمم هذه التجربة على الرغم من إصرار الحكومة على تطبيقها وتعميمها آنذاك.

سبب فشل التجربة

أن أحد الأسباب الرئيسة وراء فشل تجربة خصخصة قطاع الكهرباء، هو العمل عل خصخصة الجباية في بداية الأمر في الوقت الذي ينبغي أن تكون الجباية في آخر مرحلة، إذ لا يمكن لمجتمع تربى على الركوب المجاني في حياته، أن يتقبل فكرة الخصخصة، القاضية بالدفع مقابل الخدمة؛ بهذه السهولة والسرعة، فكان تطبيق الخصخصة بشكل مباشر كان أشبه بالصدمة التي تلقاها مجتمع التجربة فضلاً عن عدم التجهيز الكافي، ولذا رفض المجتمع تطبيقها وتعميمها كما ذكرنا قبل قليل.

الخصخصة المُفترضة

  إذ كان المفترض أن تبدأ الخصخصة في مرحلة الإنتاج، ليرى المجتمع مدى فائدتها في تحسين أداء الكهرباء، سعراً وإنتاجاً ونوعيةً، ولا يستطيع نكران التجهيز المستمر بل سيتفاعل معها ويصنع صورة إيجابية عنها لدى المناطق والمحافظات الاخرى، فتصبح فكرة الخصخصة لديهم إيجابية بدلاً عن الفكرة السيئة التي رسموها عنها سابقاً كما في التطبيق المباشر، فيعملون على تطبيقها وبهذا يتم تعميم التجربة وإنهاء مسألة نقص التجهيز وهدر الأموال وإنهاء الاستيراد.

 إذ إن البدء بخصخصة الإنتاج ومن خلال آلية المنافسة الحقيقية ما بين المنتجين سيتم التنافس فيما بينهم على تقديم أفضل الخدمات وبأقل الأسعار، سيؤدي لضمان خفض أسعار الكهرباء وتوفيرها بشكل كبير يسهم في تغذية الطلب المحلي وإنهاء حالة الاستيراد من الخارج وتخفيف العبء المالي عن الموازنة العامة.

لجوء الدولة للمولدات الأهلية

   لتخفيف أزمة المواطنين من نقص الكهرباء لجأت الدولة لتجهيز المولدات الأهلية بالوقود اللازمة لتشغيلها مع تحديد ساعات التجهيز وكذلك أجور الامبير الواحد التي يدفعها المواطنون، وكانت هذه هي الخطوة الأخرى التي تعاني من خطأ إدارتها بالشكل الأمثل، فأصبحت المشكلة بين المولدات الأهلية والمواطنين مشكلة أزلية، لا بُد من العمل على إعادة النظر بآلية العمل لتحقيق أفضل النتائج لكلا الطرفين، المواطنين وأصحاب المولدات، وهذا ما سيتم تناوله في مقال لاحق بشكل مستقل.

يتطلب معالجة أزمة القطاع الكهربائي وتمتع المواطن بالرفاه الكهربائي وإنهاء الاستيراد وهدر الأموال وتخفيف العبء عن المالية العامة والمواطن، العمل على تجذير  دور القطاع الخاص بالشكل الحقيقي وفق مبادئ اقتصاد السوق في الاقتصاد العراقي بشكل عام والقطاع الكهربائي بشكل خاص.

ان تجذير دور القطاع الخاص يتطلب العمل على ثلاثة جوانب هي:

الجانب الأول، تهيئة البيئة الاستثمارية وإنهاء الفساد في الجهاز الإداري، لتكون البيئة الاستثمارية جاذبة للاستثمار الخاص لا طاردة له.

الجانب الثاني، قيام الدولة بإشراك القطاع الخاص في إدارة القطاع الكهربائي، على الأقل في المراحل الأولى، لتنسحب لاحقاً بعد قناعة المجتمع بالفائدة التي سيجنيها من القطاع الخاص ويتفاعل معه بشكل حقيقي.

الجانب الثالث، اعتماد الأسلوب التدريجي في خصخصة القطاع الكهربائي، وبالبدء بالإنتاج لا الجباية لتلافي الصورة السلبية لدى المجتمع عن الخصخصة. 

التعليقات
تغيير الرمز